الجوار الكنس

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد الخلق والمرسلين

قال الله: (فَلَاۤ أُقۡسِمُ بِٱلۡخُنَّسِ (١٥) ٱلۡجَوَارِ ٱلۡكُنَّسِ (١٦) وَٱلَّیۡلِ إِذَا عَسۡعَسَ (١٧) وَٱلصُّبۡحِ إِذَا تَنَفَّسَ) صدق الله العظيم

نريد تدبر آيات الله للوصول إلى المعنى الصحيح لها. في أغلب كتب التفسير، نجد أن المقصود في هذة الآيات يعبر عنه بالنجوم أو الكواكب. أما بالنسبة لأهل الإعجاز العلمي فقد تم وصف الثقوب السوداء بالجوار الكنس والخنس، ثم وجدنا قلة من الناس يقولون أن المقصود بهذا هو أمواج البحر. ولن ننسى من قال أنها البقرة أو الظبية. لنتفحص معاني الكلمات ولنربطها بكلام الله ورسوله

لنبدأ بالخنس. قال الله: ( مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ) صدق الله العظيم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

الشَّهْرُ هَكَذا وهَكَذا، وأَشارَ بأَصابِعِهِ العَشْرِ مَرَّتَيْنِ، وهَكَذا، في الثَّالِثَةِ وأَشارَ بأَصابِعِهِ كُلِّها وحَبَسَ، أوْ خَنَسَ إبْهامَهُ

الراوي:عبدالله بن عمر

المحدث:مسلم

المصدر:صحيح مسلم الجزء أو الصفحة:1080 حكم المحدث: صحيح

ومنه قول أبي هريرة : لقيني النبي ﷺ في بعض طرق المدينة، وأنا جنب. فانخنست منه

قال إبن القيم: وأما الخناس: فهو فعّال، من خنس يخنس: إذا توارى واختفى

وحقيقة اللفظ: اختفاء بعد ظهور. فليست لمجرد الاختفاء. ولهذا وصفت بها الكواكب في قوله تعالى: (فَلا أُقْسِمُ بِالخُنَّسِ ) صدق الله العظيم

قال علي رضي الله عنه: هي الكواكب تخنس بالنهار فلا ترى

وقالت طائفة: الخنّس: هي الراجعة التي ترجع كل ليلة إلى جهة المشرق، وهي السبعة السيارة. قالوا: وأصل الخنوس: الرجوع إلى وراء و الخناس مأخوذ من هذين المعنيين. فهو من الاختفاء والرجوع والتأخر. فإن العبد إذا غفل عن ذكر الله جثم على قلبه الشيطان. وانبسط عليه، وبذر فيه أنواع الوساوس التي هي أصل الذنوب كلها. فإذا ذكر العبد ربه واستعاذ به، انخنس وانقبض، كما ينخنس الشيء ليتوارى. وذلك الانخناس والانقباض: هو أيضا تجمّع ورجوع، وتأخر عن القلب إلى خارج. فهو تأخر ورجوع معه اختفاء

إذا الخنس جمع خانسة وهي التي تخنس أي تختفي ولا خلاف في هذا

لننتقل إلى كلمة الجواري، وسنأخذ هذا من تدبر أحد الإخوان الذين نثق في أعمالهم

ما معنى الجوار؟ هل هي الفُلك والسُفن كما يشاع؟! أم هي شيءٌ آخر؟

قال الله،. ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ ((الْجَوَارِ)) فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَام﴾ [الشورى 32] صدق الله العظيم

وقال،. ﴿وَلَهُ ((الْجَوَارِ)) الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ﴾ [الرحمن 24] صدق الله العظيم

يرد  هذا التدبر من أحد الأخوان على من فسر الجوار بأنها الفلك  وفيما يلي تبيان ذلك

تم الإستدلال بإن الجوار هي الفُلك (السفن) بدليل الآيات التي ذُكِر فيها نعت (الجريان) منسوبٌ (للفُلك) فبالتالي هي الجوار،. من مثل،. ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ ((مَجْرَاهَا)) وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ۝ ((وَهِيَ تَجْرِي)) بِهِمْ فِي مَوْجٍ كالْجِبَال…﴾ [هود 41 ــ 42]،. ومثل،. ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ ((وَالْفُلْكَ تَجْرِي)) فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ…﴾ [الحج 65]،. ومثل ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ ((الْفُلْكَ تَجْرِي)) فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ…﴾ [لقمان 31]،. ومثل ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ۝ ((تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا)) جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ﴾ [القمر 13 ــ 14] صدق الله العظيم

أولاً،. الجري في تلك الآيات كلها أفعال للفلك،. وليست أسماء الفلك،. وليس الفلك وحده يجري،. بل الأنهار تجري، والريح تجري، والشمس والقمر يجريان، والليل والنهار يجريان، وغيرها، فلماذا تجمع فقط كلمات الجريان التي كانت في السفن وتترك البقية؟!

ثانياً،. الله لم يسمها جوار كإسمٍ للفلك أو للسفن، ولا مرة، بل سماها اسماً آخر،. هو الصحيح إن كنت لابد مُشتقّاً من الفعل اسماً لها،. فقل كما قالَ اْللّٰه،. قالَ اْللّٰه،. ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ ((حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ))﴾ [الحاقة 11]،. هذه هي الفلك أو السفن،. فبالتالي:- الاسم المشتق من فعل ((جريان السفن)) هو (الجارية)، وليس الجوارِ، ولو قلت هذه مفردة، جمعها هو (الجوار)، أقول أخطأت، جمع الجارية هي (الجاريات)،. قالَ اْللّٰه ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ۝ فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا ۝ ((فَالْجَارِيَاتِ)) يُسْرًا ۝ فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا ۝ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ۝ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ﴾ [الذاريات 1 ــ 6]،. فالسفن جارية، وجمعها جاريات وليس جوار

ثالثاً، الفلك والسفن لا تشبه الأعلام! حتى لو كانت بالأشرعة العالية، كذلك لا تشبه الأعلام، وحتى لو كانت ضخمة كبيرة، السفن تكون عريضة في البحر، ليست كالأعلام، الأعلام تكون شاهقة عالية مرتفعة، والسفن ليست كذلك،. وسنأتي على تفصيلها تفصيلاً عميقاً بإذن الله

رابعاً، قال الله عنها أنها مُنشَآت في البحر، وقال (في قراءة أخرى) مُنشِآت في البحر،. فهي مُنشَأة، ومُنشِئة!، قد نفهم من كلمة (مُنشَأة) أن الإنسان أنشأ الفلك، ولكن الفلك منشِئة! كيف تفهمها؟! تنشئ ماذا؟! هل السفن تنشئ سفناً أخرى أم ماذا؟! ثم حتى إن قلت أن الإنسان أنشأ السفن فهذا خطأ،. لأن فعل الإنشاء في القُــرآن لا تنسب للإنسان، بل دائما تُنسبُ إلى الله،. وليس للإنسان يدٌ فيها،. مثال

قال الله:  (وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ..﴾ صدق الله العظيم

قال الله: ﴿..كَمَآ أَنشَأَكُمْ مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ﴾  صدق الله العظيم

كلها منسوبة للّٰه،. الله هو الذي ينشئ،. فهل أنشأ الفلك؟ لا هل ذكر في القُــرآن أنه ينشيء الفلك؟ لا. بل الفلك من صنع البشر،. وليست من إنشاء الله،. ولو قلت أن كل شيء للّٰه، نعم ولكن لا ننسب نشأةً للّٰه هو لم ينسبها لنفسه،. ثم الأمر الآخر والمهم، حين يكون الكلام عن الفلك والسفن، فلا يُستخدم معهن كلمة (إنشاء)، بل كلمة (صنع)،. قالَ اْللّٰه ﴿((وَاصْنَعِ الْفُلْكَ)) بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا..﴾ [هود 37]،. وقال ﴿((وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ)) وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ…﴾ [هود 38]،. وقال ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ ((اصْنَعِ الْفُلْكَ)) بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا…﴾ [المؤمنون 27]،. فالصحيح أن يقال صنع الفلك، وليس أنشأ الفلك،. السفن تصنع صناعةً، أما الجوار فمُنشأة إنشاءً

خامساً،. هذه الكلمة (الجوار) وردت في القُــرآن في ثلاثة مواضع، بنفس التشكيل تماماً،. اثنتان منها قيل بأنها السفن، والأخيرة ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ۝ ((الْجَوَارِ)) الْكُنَّسِ﴾ [التكوير 15 ــ 16] قيل بأنها النجوم والكواكب، لماذا لم تقولوا هي السفن كذلك؟،. وآخرون قالوا بأنها البقر الوحشي والظباء! كل كلمات القُــرآن، إن تكررت كلمة بنفس الحروف والتشكيل،. فهي نفسها، وليست معنىً آخر مختلف،. ولكن لو اختلف التشكيل فيحق لك فهمها على معنىً آخر كالــ (الجَنّة، والجِنّة، والجُنّة)،. ولكن هذه جائت بنفس التشكيل، فما الصارف عنها لمعنىً آخر ؟

مثال على كلمات القُــرآن المكررة رغم اختلاف السياق،. ذكر الله كلمات تكررت في القُــرآن، هل تغير معناها باختلاف مواقعها؟! لا،. فكلمة الطور في القسم ﴿والطور﴾ هو نفسه الطور الذي ذكر في سورة التين ﴿وطور سينين﴾ رغم اختلاف السياق،. والنهر في القُــرآن كله على معنى واحد رغم اختلاف السياق، كذلك النجوم والكواكب، النهار، الليل، الشمس، القمر، كلها تحمل ذات المعنى في القُــرآن،. بعض الكلمات قد تنحصر في جزء من معناها وقد تشمل كل معناها،. مثل كلمة الأرض في ﴿وإلى الأرض كيف سطحت﴾ هذه كل الأرض، ولكن نفس الكلمة في سورة يوسف ﴿لن أبرح الأرض﴾ تعني جزء منها،. ولكن لا تخرج عن معنى الكلمة الشامل، ففي كليهما الأرض هي الأرض التي تحتك ولم يختلف معناها لمعنى مغاير متباين كالاختلاف بين السفن والنجوم والظباء والبقر الوحش

لنعلم معنى الجوار، علينا أن نعلم أولاً معنى الأعلام،. لأن الله شبه الجوار بالأعلام،. فما معنى الأعلام؟! العَلَم هو الجبل الشاهق، الجبل العالِ، الجبل المرتفع،. وسمي علماً لأنه عالٍ مرتفع فيُرى من بعيدٍ ((فيُعلم))،. وهو كالــ ((علامة)) الثابتة الدالة على الطريق،. وكذلك يقال لكل شاهقٍ علم لذات السبب،. فتجد شعارات الدول التي ترفع تسمى أعلام، والرموز القيمة والشخصيات المؤثرة والقدوات العالية يسمونهم كذلك ((أعلام)) لذات السبب،. ويقال للمشهور جداً الذي ذاع صيته في الأفق: (أشهر من نارٍ على عَلَم)،. لأنه لو اجتمع الجبل الشاهق الواضح مع النار المضيئة فسوف تُرى ((وتُعلم)) من مسافاتٍ بعيدة،. ومنه اشتق لفظ (العِلْم) الذي (يرفع) صاحبه العالم،. فالعِلم مقترن بالرفعة والدرجات العالية،. قالَ اْللّٰه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا ((يَرْفَعِ)) اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ((وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)) وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة 11] صدق الله العظيم

فالأعلام هي الجبال الشاهقة العالية،. وليست السفن كالأعلام، فهي ليست شاهقة، ولكنها *(((الأمواج العالية)))* في البحر، تكون شاهقة عالية،. يُشبّهُها الله بالجبال،. (الأعلام)،. ولاحظ كيف يشبه الله الأمواج بالجبال هنا صراحةً،. ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي ((مَوْجٍ كَالْجِبَالِ)) وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ) صدق الله العظيم

فشبه الله الأمواج العاتية بالجبال وشبه الجواري بالأعلام (الجبال الشاهقة)،. فالجواري هي الأمواج،.

وليست هذه وحدها،. بل كذلك ذكر الله الموج أنه كالظلل،. ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ۝ وَإِذَا غَشِيَهُمْ ((مَوْجٌ كَالظُّلَلِ)) دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ [لقمان 31 ــ 32] صدق الله العظيم

قالَ اْللّٰه ﴿موج كالظُّلل﴾؟! ما هي الظلل؟! ﴿وَإِذْ نَتَقْنَا ((الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ)) وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [اﻷعراف 171]،. الجبل العال الشاهق يُحدِث ظلاً واسعاً،. وكذلك الموج،… شبه الله الموج بالظلل التي تُحدثها الجبال،. ذلك لأن الأمواج العاتية كالجبال تماماً

اقرأ أين ذكر اْللّٰه الجوار،. ولاحظ أن سياق الآيات كلها عن الماء،. وما يحدث في البحر، وليس عن السماء والنجوم،. ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ۝ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ۝ أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى 32 ــ 34] صدق الله العظيم

قال الله:  ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ۝ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ۝ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ۝ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ۝ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ۝ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ۝ وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ۝ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ۝ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ۝ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن 18 ــ 27]،. تُقرأ الجوارِ بالكسر، وتقرأ الجواري بالياء الممدودة، وهي قراءة صحيحة

التكوير بالعربية هو تداخل الشيء في الشيء بغرض الاخفاء، الإخفاء بالتدرج، أو إيلاج الشيء في الشيء، أو تغطيته

قالَ اْللّٰه،. ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ [التكوير 1]، هذه الآية على يوم القيامة، ولكن كيف تتكور الشمس يومها؟! هذا التكوير للشمس يحدث حين تُجمع الشمس مع القمر فتختفي وكأنها تخسف، قالَ اْللّٰه في سورة القيامة ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ ۝ ((وَخَسَفَ الْقَمَرُ ۝ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ))﴾ [القيامة 7 ــ 9]،. فتداخل الشيء في الشيء تكوير، وهكذا الليل والنهار يتداخلان،.. ولتفهم معنى التكوير فهما صحيحاً، انظر في القرآن ماذا قال الله عن الليل والنهار من غير آية يكور الليل على النهار،. قال عنهما ﴿..((يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ)) يَطْلُبُهُ حَثِيثًا..﴾ [اﻷعراف 54]،. ويغشي تعني يخفي ويستر ويغطي،. وقال ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ ((نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ))..﴾ [يس 37]،. والسلخ يُظهر ما كان موارىً ومستور،. وقال ﴿((يُولِجُ)) اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ((وَيُولِجُ)) النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ..﴾ [الحديد 6]،. الولوج الإدخال بالتدرج حتى يختفي،… كلمات ثلاثة، ((يغشي، يسلخ، يولج))،. كلها تدعم بعضها في المعنى والفعل،. بمعنى تخفي احداها الاخرى، وتغطيها وتسترها،. لتدلك مباشرة على معنى ((يكوّر)) وهكذا يفسر القُــرآن، بالقرآن نفسه،. والذي يدعم هذا القول أكثر هو سياق آية التكوير،. فبعد تكوير الشمس تكلم الله عن كدرة النجوم،. ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ۝ وَإِذَا النُّجُومُ ((انْكَدَرَتْ))﴾ [التكوير 1 ــ 2]،. انكدرت واختفت واضمحلت بعد أن كانت ظاهرةً للناس مبينة

فالتكوير تغطية الشيء بالشيء، إضمحلاله، توريته، إخفاؤه، وكان العرب يقولون كور عمامته، فهو يغطي بعضها ببعض

كان النّبي ﷺ يستعيذ في السفر من الحور بعد الكور،. فعن ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺳﺮﺟﺲ، ﻗﺎﻝ: “ﻛﺎﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺇﺫا ﺳﺎﻓﺮ، ﻗﺎﻝ: اﻟﻠﻬﻢ ﺃﻧﺖ اﻟﺼﺎﺣﺐ ﻓﻲ اﻟﺴﻔﺮ، ﻭاﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻓﻲ اﻷﻫﻞ، اﻟﻠﻬﻢ اﺻﺤﺒﻨﺎ ﻓﻲ ﺳﻔﺮﻧﺎ، ﻭاﺧﻠﻔﻨﺎ ﻓﻲ ﺃﻫﻠﻨﺎ، اﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﻲ ﺃﻋﻮﺫ ﺑﻚ ﻣﻦ ﻭﻋﺜﺎء اﻟﺴﻔﺮ، ﻭﻛﺂﺑﺔ اﻟﻤﻨﻘﻠﺐ، ﻭﻣﻦ اﻟﺤﻮﺭ ﺑﻌﺪ اﻟﻜﻮﺭ، ﻭﺩﻋﻮﺓ اﻟﻤﻈﻠﻮﻡ، ﻭﺳﻮء اﻟﻤﻨﻈﺮ ﻓﻲ اﻷﻫﻞ ﻭاﻟﻤﺎﻝ” ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﻄﻴﺎﻟﺴﻲ، ﻭاﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻋﺒﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ، ﻭاﻟﺪاﺭﻣﻲ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ، ﻭاﺑﻦ ﺧﺰﻳﻤﺔ، ﻭاﻟﺒﻴﻬﻘﻲ

قالوا قديماً “بالضد تُعرف الأشياء” أو “بضدها تُعرف الأشياء” فلا تعرف الصحة إلا بالمرض ولا البصر إلا بالعمى ولا الشبع إلا بالجوع ولا الفراغ إلا بالشغل ولا النور إلا بالظلام،. من الحديث السابق، يتبين أن الكور عكس الحور، فما معنى حور؟! فلو عرفنا معنى الحور سنتبين من معنى الكور لزاماً

الحور في العربية هو الواضح،. البين،. الجلي،. المنكشف، ليس فيه نفاق، أبيض تمام البياض،. أو أسود تمام السواد،. ليس رمادي بين وبين،. ومنها (الحور العين)! التي ترى مخ ساقها من الحسن، قال اللّـه عنهن ﴿((عُرُبًا)) أَتْرَابًا﴾ [الواقعة : 37]،. عرب أي: واضحات، متكشفات لأزواجهن،. والإعراب الإظهار والتوضيح، والأعراب البدو البادين المنكشفين، والقُــرآن عربي أي مبين وجلي،. ومنها كذلك ﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ ((يَحُورَ))﴾ [الانشقاق : 14] أي يظن أنه لن ينكشف ويظهر! والحِوار حين يظهر كل متحاور ما يبطنه،. والحُر عكس العبد، العبد مقيد محكوم في ضيق من أمره ولا يتكلم إلا بإذن سيده، بعكس الحُر يخرج ويظهر ويبوح وليس بمقيد ولا ممنوع، وفي الجو الحار تكشف عن جسمك لتتهوى، بعكس البرد تتغطى وتتستر، النار أشهر مصادر الحرارة، النار علامة ظاهرة تكشف مكانك وتظهره للبعيد، عكسها الجنة المخفية المحفوفة بالشجر، والجِن مخفي، كذلك الجنين، والمجن يخفيك ويسترك، بالحرارة تتباين أجزاء الطعام وتنطبخ، تخرج الدم والروائح، وتفتت وتفكك اليابس،. عكس البرد الذي يحافظ على هيئة الطعام،. الحور تباين وإظهار وشدة وضوح،. وانظر لشدة وضوح الحواريين وصراحتهم،. ﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ((هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ)) أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ۝ قَالُوا ((نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا)) ((وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا)) ((وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا)) وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [المائدة :112 ـ 113] صدق الله العظيم

فتبين الآن معنى الحور، فبالتالي الكور يقابله في المعنى، فيكون هو الخفي المستور المغطى،. وهذا يوافق بقية الكلمات التي ذكرت عن الليل والنهار،. ويتوافق توافقاً عجيباً مع الخنس الذي تحدثنا عن من قبل وأن معناه الخفاء والمواراة،. وهذه نعت الأمواج، فهي لا ترى في البحر، وتظهر فجأة بإذن اللّٰه

وسميت الأمواج العاتية بالجوار لأن الرياح تجرها، وهي تجر الناس والوحوش،. وتجر معها كل شيء،. كما شاهدنا في أمواج تسونامي وكيف كانت تحشر الناس ليهربوا منها،. وهذا المعنى متوافق مع الكنس الذي يجر معه الوسخ

قال الله:  ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [يونس 22] صدق الله العظيم

وكان هذا تدبر أحد الأخوان وبارك الله في هذا التدبر فتبين لنا الآن معنى كلمة الجوارِ وكذلك كلمة الأعلام، إلا أن هناك بعض النقاط التي سنضيف عليها المزيد من التدبر للوصول إلى نتيجه بينه لأني قد وجدت بعض النقص في هذا التدبر من حيث أنه تم إستبعاد النجوم عن المعنى وكذلك وعلى الرغم أني لا أتفق مع القول الذي أخذ بأنها البقرة أو الظبية، يجب علينا توفير سبب منطقي وبرهان لماذا هذا التفسير لايصح ولماذا تم الأخذ به من قبل البعض. معرفة سبب الأخذ بهذا المعنى قد يفتح الآفاق إلى معاني لم نكن نتخيلها. فبذلك سنتحدث عن تكرر الكلمات ومعانيها في القرآن وكذلك سنفصل من هم المقصودون بالجوارِ الذين يكنسون ويخنسون

بعد توضيح معنى كلمة الخنس وهي الخفاء أو الإختفاء والتستر وكذلك الجوار والجَوارِي: جَمْعُ جارِيَةٍ، وهي الَّتِي تَجْرِي، أيْ: تَسِيرُ سَيْرًا حَثِيثًا، وكذلك تبين لنا معنى الأعلام والأعلام وهي العلامات المرتفعة التي نراها عن بعد كالجبال الشاهقة، يتبقى علينا معرفة معنى كلمة الكنس. في القديم قال العرب : يُقالُ: خَنِسَتِ البَقَرَةُ والظَّبْيَةُ، إذا اخْتَفَتْ في الكِناسِ. والكُنَّسِ: جَمْعُ كانِسَةٍ، يُقالُ: كَنَسَ الظَّبْيُّ، إذا دَخَلَ كِناسَهُ – بِكَسْرِ الكافِ – وهو البَيْتُ الَّذِي يَتَّخِذُهُ لِلْمَبِيتِ

وكذلك كنس أي نظَّف أو أزال كل مافي طريق الشيء الذي يكنس إلى أن يصل إلى مستقره. فالكنس هو الإزالة إلى أن يتم الإستقرار إلى موطن، بيت، مكان، أو أي مستقر يتم فيه الإستقرار والإستتار أي الخنس

هذا هو المعنى الصحيح للكنس الذي يختصر أغلب ماهو موجود في معاجم القرآن كالصِحاح ولسان العرب

ففي الصحاح

الكانِسُ: الظبيُ يدخل في كِناسِهِ، وهو موضعه في الشجر يكتن فيه ويستتر

وقد كنس الظبيُ يَكْنِسُ بالكسر

وتَكَنَّسَ مثله

وكَنَسْتُ البيت أكْنُسُهُ بالضم كَنْساً

والمِكْنَسَةُ: ما يُكْنَسُ به

والكُناسَةُ: القمامة، واسم موضع بالكوفة.

والكنيسة للنصارى

والكنس: الكواكب. قال أبو عبيدة: لأنها تَكْنِسُ في المغيب، أي تستتر

ويقال هي الخنس السيارة

وفي لسان العرب

كنس: الكَنْسُ: كَسْحُ القُمام عَنْ وَجْهِ الأَرض. كَنَسَ الْمَوْضِعَ يَكْنُسُه، بِالضَّمِّ، كَنْساً: كَسَح القُمامَة عَنْهُ. والمِكْنَسَة: مَا كُنِس بِهِ، وَالْجَمْعُ مَكانِس. والكُناسَة: مَا كُنِسَ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: كُناسَة الْبَيْتِ مَا كُسِحَ مِنْهُ مِنَ التُّرَابِ فأُلقي بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ. والكُناسة أَيضا: مُلْقَى القُمَامِ. وفَرَسٌ مَكْنوسَة: جَرْداء

والمَكْنِسُ(١): مَوْلِجُ الوَحْشِ مِنَ الظِّباء والبَقر تَسْتَكِنُّ فِيهِ مِنَ الحرِّ، وَهُوَ الكِناسُ، وَالْجَمْعُ أَكْنِسَة وكُنْسٌ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ لأَنها تَكْنُسُ الرَّمْلَ حَتَّى تَصِلَ إِلى الثَّرَى، وكُنُسَات جَمْعٌ كطُرُقاتٍ وجُزُرات؛ قَالَ:

إِذا ظُبَيُّ الكُنُساتِ انْغَلَّا، … تَحْت الإِرانِ، سَلَبَتْه الطَّلا٢

وكَنَسَتِ الظِّباء وَالْبَقَرُ تَكْنِسُ، بِالْكَسْرِ، وتَكَنَّسَتْ واكْتَنَسَ دَخَلَتْ فِي الكِناس؛ قَالَ لَبِيدٍ

شاقَتْكَ ظُعْنُ الحَيِّ يَوْمَ تَحَمَّلُوا، … فَتَكَنَّسُوا قُطْناً تَصِرُّ خِيامُها

أَي دخَلوا هَوادِجَ جُلِّلَتْ بِثِيَابِ قُطْن. والكَانِسُ: الظَّبْيُ يَدْخُلُ فِي كِناسِهِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ فِي الشَّجَرِ يَكْتَنُّ فِيهِ وَيَسْتَتِرُ؛ وظِباء كُنَّسٌ وكُنُوس؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

وإِلا نَعاماً بِهَا خِلْفَةً، … وإِلَّا ظِباءً كُنُوساً وذِيبَا

وله بقية ولكن أخذنا مقدمة التفسير للمعنى

ونضيف لكل هذا سبب تسمية الكنيسة بكنيسة. يوجد في أي كنيسة غرفه تسمى بغرفه الإعتراف، يستتر فيها الشخص ويكنس فيها ليتم تطهير ذنوبه، بهذا كنس وخنس ولا يوجد جريان في هذا. أي جوار لاتنطبق هنا. هل وضح معك المعنى الآن؟ فيتحدث القسيس مع الفرد ويكون بينهم حجاب فيسمع منه ولا يراه، ثم يعظه ويجعله يتوب فيتطهر من ذنوبه

وحتى عندما تكنس الأرض بالمكنسة للتنظيف، فإنك تتبع حركة لنقل مثلاً من اليمين إلى الشمال وتستقر الحركة بوضع النفايات في مكان النفايات ثم تعود من جديد

إذاً لنبدأ بالقول ما إذا كانت هذة الآيات الكريمات تنطبق على الظباء أو البقر. أعلم أنه يضرب المثل بذكاء ودهاء العرب وكذلك بساطتهم في تصريف الأمور. فكان التشبيه هو الأمر القائم لفهم الأمور ومثل هذا في القرآن الكريم عندما وصف عز وجل القمر بالعرجون القديم، هل هو بالفعل عرجون؟ إذا هل المقصود فعلاً هو البقر أو الظباء؟ فقط كانت صفة الكنس والخنس تنطبق على أفعال هذة الحيوانت فلذلك تم الإستعانة بها في كتب التفسير. ولكن ماذا نقول عن من فسر هذة الآيات بأن المقصود بها البقر أو الظباء؟

أولاً لنحاول فهم وصف القرآن الكريم للحركة في البر، البحر أو الجو

أما المشي في الأرض فقال الله: (قُلۡ سِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ ٱنظُرُوا۟ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِینَ)، (قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنࣱ فَسِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُوا۟ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِینَ)، (هُوَ ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولࣰا فَٱمۡشُوا۟ فِی مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا۟ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَیۡهِ ٱلنُّشُورُ) صدق الله العظيم

أما بالنسبة للركض في الأرض (ٱرۡكُضۡ بِرِجۡلِكَۖ هَـٰذَا مُغۡتَسَلُۢ بَارِدࣱ وَشَرَابࣱ) صدق الله العظيم

أما الحركة في البحر أو في الماء ( وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِ ٱلۡجَوَارِ فِی ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَـٰمِ)، (ٱلۡجَوَارِ ٱلۡكُنَّسِ)، (فَٱلۡجَـٰرِیَـٰتِ یُسۡرࣰا)، (وَهُوَ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلَّیۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُل فِی فَلَكࣲ یَسۡبَحُونَ)، (لَا ٱلشَّمۡسُ یَنۢبَغِی لَهَاۤ أَن تُدۡرِكَ ٱلۡقَمَرَ وَلَا ٱلَّیۡلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِۚ وَكُل فِی فَلَك یَسۡبَحُونَ) صدق الله العظيم

والجَرْي: المرّ السريع، وأصله كمرّ الماء، ولما يجري بجريه. يقال: جَرَى يَجْرِي جِرْيَة وجَرَيَاناً. قال عزّ وجل: ﴿وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾ [الزخرف : 51] ، وقال تعالى: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ﴾ [الكهف : 31] ، وقال: ﴿وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ﴾ [الروم : 46] ، وقال تعالى: ﴿فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ﴾ [الغاشية : 12] ، وقال: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ﴾ [الحاقة : 11] ، أي: السفينة التي تجري في البحر، وجمعها: جَوَارٍ، قال عزّ وجلّ: ﴿وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ﴾ [الرحمن : 24] ، وقال تعالى: ﴿وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ﴾ صدق الله العظيم

أما السباحة فهي العوم

أما الحركة في الجو ( أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ إِلَى ٱلطَّیۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَـٰۤفَّـٰتࣲ وَیَقۡبِضۡنَۚ مَا یُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱلرَّحۡمَـٰنُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَیۡءِۭ بَصِیرٌ) صدق الله العظيم

صافّاتٍ : جَمْعُ صافَّةٍ وهي الَّتِي تَبْسُطُ جَناحَيْها وتَصِفُهُما حَتّى كَأنَّها ساكِنَةٌ، و”قَبْضُ الجَناحِ” ضَمُّهُ إلى الجَنْبِ، ومِنهُ قَوْلُ أبِي خِراشٍ

يُحِثُّ الجَناحَ بِالتَبَسُّطِ والقَبْضِ

وهاتانِ حالانِ لِلطّائِرِ يَسْتَرِيحُ مِن إحْداهُما لِلْأُخْرى

وقَوْلُهُ تَعالى: (وَيَقْبِضْنَ) عَطْفُ المُضارِعِ عَلى اسْمِ الفاعِلِ، وذَلِكَ كَما عَطَفَ اسْمَ الفاعِلِ عَلى المُضارِعِ في قَوْلِ الشاعِرِ

باتَ يُعَشِّيها بِعَضْبٍ باتِرٍ يَقْصِدُ في أسْوُقِها وجائِرِ

إذا بعد هذة التعريفات، يمكننا القول أن الظباء تكنس وتخنس ولاكنها تركض ولا تجري لأني الجريان في الماء

ثم ننتقل الى موضوع تكرار الكلمات الذي تم ذكره في التدبر المرفق، ذكر أنه لمعرفة معنى كلمة جوار يجب علينا معرفة معنى كلمة أعلام مستدلاً بقوله تعالى : (وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِ ٱلۡجَوَارِ فِی ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَـٰمِ)، وهذا صحيح لأنه الله شبه الجوار بالأعلام، لكن السؤال الذي يطرح نفسة، هل كلمة الجوار هي وصف أم مصدر؟ لماذا لاتنطبق كلمة الجوار على أكثر من مخلوق من مخلوقات الله؟ ويتم معرفة هذا المخلوق من سياق الآية؟

فمثلاً قال الله : (مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ)، فالوسواس، والخناس: وصفان لموصوف محذوف. وهو الشيطان

وحسّن حذف الموصوف هاهنا غلبة الوصف، حتى صار كالعلم عليه

والموصوف إنما يقبح حذفه إذا كان الوصف مشتركا. فيقع اللبس كالطويل والقبيح، والحسن ونحوه، فيتعين ذكر الموصوف ليعلم أن الصفة له لا لغيره

فأما إذا غلب الوصف واختص، ولم يعرض فيه اشتراك. فإنه يجرى مجرى الاسم، ويحسن حذف الموصوف: كالمسلم والكافر، والبر، والفاجر، والقاصي، والداني، والشاهد والوالي، ونحو ذلك. فحذف الموصوف هنا أحسن من ذكره.

وهذا التفصيل أولى من إطلاق من منع حذف الموصوف ولم يفصل

ومما يدل على أن الوسواس وصف لا مصدر: أن الوصفية أغلب على فعلال من المصدرية كما تقدم. فلو أريد المصدر لأتى بذو المضافة إليه ليزول اللبس وتتعين المصدرية. فإن اللفظ إذا احتمل الأمرين على السواء فلا بد من قرينه تدل على تعيين أحدهما. فكيف والوصفية أغلب عليه من المصدرية؟

فسؤالنا هل جوار تميل للإسم الذي يحمل صفات أم هي وصف؟ أم هي إسم يصف بعض المخلوقات التي تشترك في صفة ما؟

ذكر صاحب التدبر أن فعل الإنشاء في القُــرآن لا ينسب  للإنسان، بل دائما ينسب إلى الله،. وليس للإنسان يدٌ فيها، وقد أستدل بكثير من الآيات مما يجعلنا نقول أن ( جوار ) تعود في هذة الآية تخصيصاً على شيء من صنع الله عز وجل وليس الإنسان (وَلَهُ ٱلۡجَوَارِ ٱلۡمُنشَـَٔاتُ فِی ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَـٰمِ)، فهذة الجوار لكن مالفرق بينها وبين الجاريات؟

هل تكون الجوار محصورة على خلق واحد من خلق الله أم هي وصف لمخلوقات معينة؟

وأخذنا بأن الجور ترجع الى مخلوق من صنع الله كما هو في التدبر وكذلك قال قتادة بهذا

الْمُنْشَآتُ :  قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ (الْمُنْشَآتُ) بِفَتْحِ الشِّينِ، قَالَ قَتَادَةُ: أَيِ الْمَخْلُوقَاتُ لِلْجَرْيِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِنْشَاءِ

 

يظهر لنا أن الجوار ماهي إلا وصف لا إسم

قال الله: (إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلۡمَاۤءُ حَمَلۡنَـٰكُمۡ فِی ٱلۡجَارِیَةِ)، فالجارية هنا إسم أم وصف؟ يمكننا القول أنها إسم يصف السفن لكن هل يمكننا القول أن هذا الوصف محصور للسفن؟ الجواب لا وذلك مستدلاً بقوله تعالى : (فِیهَا عَیۡن جَارِیَة) صدق الله العظيم

وكذلك ذكر صاحب التدبر أن “كلمات القُــرآن المكررة رغم اختلاف السياق،. ذكر الله كلمات تكررت في القُــرآن، هل تغير معناها باختلاف مواقعها؟! لا،” ، طيب نقول هنا، هذا الكلام بالتأكيد ينطبق على بعض الكلمات، فمثلاً ينطبق على الأسماء كإسم الطور، الشمس، القمر، نهر، بحر وغيرها. وبعض الصفات ككلمة الكذب ومشتقاتها. وكذلك لنعلم أنه حتى إذا أختلف المعنى للكلمة من سياق الآية، فأن جذر المعنى نفسه دائماً

قال الله: (قُل لَّوۡ كَانَ ٱلۡبَحۡرُ مِدَادࣰا لِّكَلِمَـٰتِ رَبِّی لَنَفِدَ ٱلۡبَحۡرُ قَبۡلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَـٰتُ رَبِّی وَلَوۡ جِئۡنَا بِمِثۡلِهِۦ مَدَدࣰا) صدق الله العظيم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

فُضِّلْتُ علَى الأنْبِياءِ بسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوامِعَ الكَلِمِ، ونُصِرْتُ بالرُّعْبِ، وأُحِلَّتْ لِيَ الغَنائِمُ، وجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ طَهُورًا ومَسْجِدًا، وأُرْسِلْتُ إلى الخَلْقِ كافَّةً، وخُتِمَ بيَ النَّبِيُّونَ

الراوي:أبو هريرة

المحدث:مسلم

المصدر:صحيح مسلم الجزء أو الصفحة:523

حكم المحدث: صحيح

ماهي جوامع الكلم؟ تقول كلمة تناسب كل الأزمنة وتتحمل عدة معاني ترجع لمعنى واحد أو حكمة واحدة

فعندما يصف الله في كتابة، قد يكون هذا الوصف لمخلوق واحد (مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰۤ)، فهذا يصف موقف سيدنا محمد صلى الله علية وسلم، ووصفه ووصف فؤاده بالصدق، وعلى الرغم من هذا نجد كلمة الفؤاد كذلك هنا تصف شيئاً آخر مع العلم بأن الفؤاد هو الفؤاد لن يتغير ( وَلَا تَقۡفُ مَا لَیۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولࣰا) صدق الله العظيم

أو وصف لمخلوق خلقه الله ( فِیهَا عَیۡن جَارِیَة)، وكذلك مصنوعات صنعها الإنسان من وحي الله ( إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلۡمَاۤءُ حَمَلۡنَـٰكُمۡ فِی ٱلۡجَارِیَةِ) صدق الله العظيم

فكل هذة كلمات متشابهه أُستخدمت لتخدم معاني مختلفة

فلنقيس على هذا كلمة جري بكلمة هدي، ولنبحث عن إختلاف معنى كلمة هدى في القرآن الكريم ولها سبعة عشر معنى

وذكر الزركشي في كتابه البرهان في علوم القرآن أنه قيل “أن النظائر تكون في اللفظ والوجوه تكون في المعاني وتم تضعيف هذا القول لأنه لو أريد هذا لكان الجمع في الألفاظ المشتركة، وهم يذكرون في تلك الكتب اللفظ الذي معناه واحد في مواضع كثيرة فيجعلون الوجوه نوعاً لأقسام والنظائر نوعاً آخر كالأمثال”

“وقد جعل بعضهم ذلك من أنواع معجزات القرآن حيث كانت الكلمة الواحدة تنصرف الى عشرين وجهاً أو أكثر أو أقل ولايوجد ذلك في كلام البشر

ونستعرض هذا في مثال حي من كتاب البرهان في علوم القرآن فمثلا كلمة ( الهدى) لها سبعة عشر معنى في القرآن

بمعنى البيان : (أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَىٰ هُدى مِّن رَّبِّهِمۡۖ) صدق الله العظيم

بمعنى الدين : ( إِنَّ ٱلۡهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ) صدق الله العظيم

بمعنى الإيمان: (وَیَزِیدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ٱهۡتَدَوۡا۟ هُدى) صدق الله العظيم

بمعنى الداعي : (وَلِكُلِّ قَوۡمٍ هَادٍ) صدق الله العظيم

بمعنى الرسل والكتب: (فَإِمَّا یَأۡتِیَنَّكُم مِّنِّی هُدى) صدق الله العظيم

بمعنى المعرفة: (وَبِٱلنَّجۡمِ هُمۡ یَهۡتَدُونَ) صدق الله العظيم

بمعنى الرشاد: (ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰ⁠طَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ) صدق الله العظيم

بمعنى محمد صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ ٱلَّذِینَ یَكۡتُمُونَ مَاۤ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ) ، (مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَىٰ)صدق الله العظيم

بمعنى القرآن : (وَلَقَدۡ جَاۤءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلۡهُدَىٰۤ) صدق الله العظيم

بمعنى التوراة : ( وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا مُوسَى ٱلۡهُدَىٰ) صدق الله العظيم

بمعنى الإسترجاع: (وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ) ، ونظيرها (مَاۤ أَصَابَ مِن مُّصِیبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن یُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ یَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیم) صدق الله العظيم

بمعنى الحجة: (أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِی حَاۤجَّ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمَ فِی رَبِّهِۦۤ أَنۡ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ إِذۡ قَالَ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمُ رَبِّیَ ٱلَّذِی یُحۡیِۦ وَیُمِیتُ قَالَ أَنَا۠ أُحۡیِۦ وَأُمِیتُۖ قَالَ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ یَأۡتِی بِٱلشَّمۡسِ مِنَ ٱلۡمَشۡرِقِ فَأۡتِ بِهَا مِنَ ٱلۡمَغۡرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِی كَفَرَۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ) صدق الله العظيم

بمعنى التوحيد: (وَقَالُوۤا۟ إِن نَّتَّبِعِ ٱلۡهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفۡ مِنۡ أَرۡضِنَاۤۚ أَوَلَمۡ نُمَكِّن لَّهُمۡ حَرَمًا ءَامِنࣰا یُجۡبَىٰۤ إِلَیۡهِ ثَمَرَ ٰ⁠تُ كُلِّ شَیۡءࣲ رِّزۡقࣰا مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ) صدق الله العظيم

بمعنى الإصلاح : (وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی كَیۡدَ ٱلۡخَاۤىِٕنِینَ) صدق الله العظيم

بمعنى الإلهام : ( قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِیۤ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَیۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ) صدق الله العظيم

بمعنى التوبة: (وَٱكۡتُبۡ لَنَا فِی هَـٰذِهِ ٱلدُّنۡیَا حَسَنَةࣰ وَفِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ إِنَّا هُدۡنَاۤ إِلَیۡكَۚ قَالَ عَذَابِیۤ أُصِیبُ بِهِۦ مَنۡ أَشَاۤءُۖ وَرَحۡمَتِی وَسِعَتۡ كُلَّ شَیۡءࣲۚ فَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ وَیُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِینَ هُم بِـَٔایَـٰتِنَا یُؤۡمِنُونَ) صدق الله العظيم

فلننظر الى كل هذة المعاني. نعم هي كثيرة المعاني ولكنها ترجع الى معنى واحد لايختلف عليه إثنان وهو الهدى. فجميع المعاني هذة مرتبطة ارتباط جذري بمعنى كلمة الهدى ولاتناقض بين معاني هذة الآيات وهذا مايزعمه بعض من في قلوبهم زيغ. هذة المعجزة الربانية في جوامع الكلم الموجودة في القرآن الكريم، فجميع الآيات السابقة تتحدث عن الهدى لاغير ويختلف المعنى حسب السياق

إذاً هل نستطيع القول بأن الجوار هي الأمواج؟ الجواب نعم، لكن هل نستطيع القول بأن الأمواج هي الخنس الجوار الكنس؟ لنبحث في هذا

قال الله: ( فَلَاۤ أُقۡسِمُ بِٱلۡخُنَّسِ (١٥) ٱلۡجَوَارِ ٱلۡكُنَّسِ (١٦) وَٱلَّیۡلِ إِذَا عَسۡعَسَ (١٧) وَٱلصُّبۡحِ إِذَا تَنَفَّسَ) صدق الله العظيم

أقسم الله هنا بمخلوق وصفه بأنه يخنس، يجري ويكنس. هل الموج من الجوار ؟ الجواب نعم

هل الموج يكنس؟ الجواب تقريباً أي جزئياً، فسبحان الله أنظر الى حكمة الله في تصريف الأمور. في أحد الجزر الموجودة في أقصى جنوب المحيط الهادي إن صح التعبير، يوجد على هذة الجزيرة نوع من السلطعون يكبر حجمة عن حجم أي سلطعون تراه، ذي لون أزرق ويكون حجمه متقارب مع حجم قط بالغ في العمر. تعتبر هذة جزيرة نائية ولا يوجد فيها الكثير من المخلوقات فكيف وصل السلطعون إليها؟ سبحان الله من المعروف أن بيض السلطعون يسافر في البحار شهوراً، فهذا كنسته أمواج البحر الى شط هذة الجزيرة، وعندما يصل الموج الى الشط يموت. نعم يموت ليتولد موج غيره وهذا ينافي معنى الكنس الحقيقي. نعم هو يحمل معه وهذا التعبير الصحيح ولكنه لايكنس لأنه لايستقر ثم يستتر ليرجع مرة أخرى بل تموت الموجة وتأتي غيرها. وإن كنت تسأل كيف يحصل هذا السلطعون على الغذاء وكيف يكون بهذا الحجم؟ سبحان الله تقتلع الأعاصير أشجار جوز الهند من بعض الجزر وتنقلها الى جزيرة السلطعون ليتغذى عليها

الآن، وبعد هذا، لايوجد أي تفسير من القرآن، منطقي أو حتى علمي يثبت أن الموج يخنس. بل هو يظهر شامخاً كالجبل ولا يكون مختفي قبلها، بل يتولد في حينها ليكبر تدريجياً الى ما شاء الله، إذاً لاشك أن الأمواج ليست بالخنس الجوار الكنس، ثم لاننسى قوله تعالى بعد آيات الكنس ( وَٱلَّیۡلِ إِذَا عَسۡعَسَ (١٧) وَٱلصُّبۡحِ إِذَا تَنَفَّسَ) صدق الله العظيم

فما علاقة الصبح والليل بالموج؟ لاتوجد إلا إذا ربطناه بالمد والجذر، ولكن مانقصده أن الموج لايكون محصور بحركة الليل والنهار

إذا ماهو المقصود بالخنس الجوار الكنس

أولا: سيكون حديثنا محصور على الكواكب والنجوم والشمس والقمر وهذا باب كبير جداً. فماهي حركة هذة المخلوقات الموجودة في السماء، والسماء من دون السين ماء، وهذة ليست بجو السماء التي يطير فيها الطير، هذة السماء التي تجري فيها الكوكب وبعضها يسبح في الماء الموجود في السماء، لن نطيل التدبر لنصف فيه كيفية وجود الماء في السماء فقد وصفنا هذا كثيراً في السابق

قال الله: ( وَلَهُ ٱلۡجَوَارِ ٱلۡمُنشَـَٔاتُ فِی ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَـٰمِ)، هل توجد لنا أعلام في السماء؟ الجواب نعم بل توجد لدينا علامات، وبروج، ترجع في تعريفها الى مايقارب كلمة أعلام والذي تم إستنباطه من  التدبر المذكور في المقاله، فنتحدث هنا عن العلو والذي يراه الجميع وهذا ينطبق على الأعلام وكذلك العلامات. قال الله: ( وَعَلَـٰمَـٰتࣲۚ وَبِٱلنَّجۡمِ هُمۡ یَهۡتَدُونَ)، وهذا باب لاينتهي وعلم كبير وذكرنا أنه إذا أردت معرفة القبلة، فلك أن تنظر الى نجمة معينة في برج العقرب من أسفله، وقس على هذا كل النجوم والبروج الأخرى فكل واحدة تدل على طريق أو مكان يمكن الوصول اليه ومنها مايتحرك ومنها مايثبت.

لنبدأ بالشمس: هل تخنس؟ نعم

تكنس ؟ لا

من الجوار ؟ لا لأن الشمس تسبح والقمر مثلها

الكواكب: تخنس ؟ نعم

تكنس ؟ نعم

من الجوار ؟ لا لأنها تسبح وفي هذا رد لمن قال بأنها الكواكب وسنفصل حركة الكواكب لاحقاً. لكن تم ذكر شيء بسيط عنها في أحد المقالات

النجم القطب: تخنس: نعم

تكنس : أرجح قول لا والله أعلم

من الجوار : لا

النجوم عامة : تخنس ؟ نعم

تكنس؟ نعم

من الجوار؟ بعضها وبعضها يسبح

كيف تخنس وتكنس النجوم؟

هناك حركتان، حركة يومية، وهي حركتها في أفلاكها فنراها في الليل وتختفي في النهار. تخنس في النهار وتظهر في الليل. لكن ليس هذا مرادنا في التحدث عنه لأن هذة حركة كل النجوم التي تسبح ونحن نريد التي تجري جريان الكنس

قبل الدخول في تفاصيل حركات النجوم، قد تقول كيف يكنس النجم؟ كيف تكنس الكواكب؟

أما بالنسبة للكواكب : قال الله: (إِنَّا زَیَّنَّا ٱلسَّمَاۤءَ ٱلدُّنۡیَا بِزِینَةٍ ٱلۡكَوَاكِبِ (٦) وَحِفۡظا مِّن كُلِّ شَیۡطَـٰنࣲ مَّارِدࣲ (٧) لَّا یَسَّمَّعُونَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ ٱلۡأَعۡلَىٰ وَیُقۡذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِب (٨) دُحُورࣰاۖ وَلَهُمۡ عَذَابࣱ وَاصِبٌ (٩) إِلَّا مَنۡ خَطِفَ ٱلۡخَطۡفَةَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابࣱ ثَاقِبࣱ (١٠)﴾ [الصافات ٦-١٠] صدق الله العظيم

أما بالنسبة للنجوم وهي التي نريدها هنا : ( وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا) صدق الله العظيم

فنريد التحدث عن الشهب الصادرة من النجوم، لأن هذة النجوم هي التي تجري ولا تسبح وقد ذكرنا هذا بالتفصيل الممل في التدبر الخاص بسورة الطارق. فانظر، حفظ السماء  أليس بكنس من الكواكب والنجوم بأمر الله ؟

ولكن كيف ينتهي هذا الكنس، لأننا ذكرنا أن الكنس هو الإستقرار في مكان ثم الخنس

يجب علينا أولاً معرفة النوء لمعرفة الجزء الثاني من معنى الكنس

النَّوْء هو النجم إِذا مال للمَغِيب، والجمع أَنْواءٌ ونُوآنٌ وقيل: معنى النَّوْءِ سُقوطُ نجم من الـمَنازِل في المغرب مع الفجر وطُلوعُ رَقِيبه، وهو نجم آخر يُقابِلُه، من ساعته في المشرق

ومايجري من النجوم هو مايسلك طريقاً مختلفاً يعبر فيه الأفلاك وهي مايسمونها بنجوم العبور كالشعرى وكثير من هذة النجوم توجد في الجهة الشرقية. لنستعرض لكن فقط برجين من البروج التي تعبر فيها هذة النجوم، الثريا والجوزاء

الثريا وهي أشهر هذة المنازل وهي ستة أنجم ظاهرة وفيها نجوم خفية كذلك. وطلوعها لثلث عشرة ليلة تخلو من أيار وسقوطها لثلث عشرة تخلو من تشرين الأخر. وأما الإستسرار من الثريا فتظهر من أول الليل في المشرق عند إبتداء البرد. ثم ترتفع كل ليلة حتى تتوسط السماء مع غروب الشمس ثم تنحدر عن وسط السماء فتكون كل ليلة أقرب من أفق المغرب وأبعد من وسط السماء إلى أن يهل معها الهلال لأول ليلة

ماالمقصود بالكــــــنّـــة

للنجوم كنّة أي اختفاء فترة معينة عن الأنظار

أي أنّها تنزل كل يوم من وسط السماء من جهة الغرب حتى تصل الأفق الغربي وتدخل في شعاع الشمس عند غروبها ولا يمكننا رؤية نجوم الثريا السبعة بسبب توهج أشعة الشمس

وتمكث ٣٩ يوم من أول نوء الرشا ٢٩ أبريل حتى أول نوء الثريا ٦ يونيو من كل عام ميلادي فتشرق مع الشمس وتغرب معها فلا ترى

مكوثها وكنّتها واختفاءها

في هذه الأنواء

نوء الرشاء ١٣ يوم

نوء الشرطين ١٣ يوم

 نوء البطين ١٣يوم

وبعد طلوع الثريا من جديد من جهة الشرق في ٧ يونيو الموافق ٤ شوال ١٤٤٠هـ يبدأ فصل الصــيف

الجوزاء تُعد في الكواكب اليمانية. وهي تسمى الجبّار تشبيهاً لها بالملك لأنها في صورة رجل على كرسي عليه تاج. فالرأس هو الهقعة ثلثة كواكب خفية هي في هيئة الأثافي وفوق الرأس كوكب كثيرة صغار مستديرة واسعة متناسقة كالعقد تسمى تاج الجوزاء. ثم ثلثة كواكب بيض متتابعة في صدر الجوزاء عرضاً تسمى النظم وتحتها ثلثة كواكب طولا تسمى الجوازى وهما كوكبان أزهران في أحدهما حمرة وفيها الشعرى العبور و مرزم الشعرى وهي التي ذكرها الله عز وجل في كتابه (وَأَنَّهُۥ هُوَ رَبُّ ٱلشِّعۡرَىٰ)، لأن قوم الجاهلية عبدوها وفتنو بها. وهي التي تسمى العبور والشعرى الأخرى هي الغميضاء والغميضاء من الذراع المبسوطة في نجوم الأسد

قال الله:  (فَلَاۤ أُقۡسِمُ بِمَوَ ٰ⁠قِعِ ٱلنُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُۥ لَقَسَمࣱ لَّوۡ تَعۡلَمُونَ عَظِیمٌ (٧٦)﴾ [الواقعة ٧٥-٧٦] صدق الله العظيم 

قال ابن القيم

لما كان المقصود بهذا القسم نفي ما قاله الكفار في القرآن: من أنه شعر أو كهانه أو أساطير الأولين، صدر القول بأداة النفي ثم أثبت له ما قالوه. فتضمنت الآية أن ليس الأمر كما يزعمون ولكنه قرآن كريم
ولهذا صرح بالأمرين: النفي والإثباتومن ذلك قوله تعالى ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وإنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ في كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إلا المُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِن رَبِّ العالَمِينَ﴾ صدق الله العظيم 

ذكر سبحانه هذا القسم عقيب ذكر القيامة الكبرى وأقسام الخلق فيها ثم ذكر الأدلة القاطعة على قدرته وعلى المعاد بالنشأة الأولى وإخراج النبات من الأرض وإنزال الماء من السماء وخلق النار ثم ذكر بعد ذلك أحوال الناس في القيامة الصغرى عند مفارقة الروح للبدن وأقسم بمواقع النجوم على ثبوت القرآن وأنه تنزيله
وقد اختلف في النجوم التي أقسم بمواقعها فقيل هي آيات القرآن ومواقعها نزولها شيئًا بعد شيء
وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عطاء وقول سعيد بن جبير والكلبي ومقاتل وقتادة
وقيل النجوم هي الكواكب ومواقعها مساقطها عند غروبها
هذا قول أبي عبيدة وغيره
وقيل مواقعها انتشارها وانكدارها يوم القيامة
وهذا قول الحسن
ومن حجة هذا القول أن لفظ (مواقع) تقتضيه فإنه مفاعل من الوقوع، وهو السقوط فلكل نجم موقع وجمعها مواقع
ومن حجة قول من قال هي مساقطها عند الغروب أن الرب تعالى يقسم بالنجوم وطلوعها وجريانها وغروبها إذ فيها وفي أحوالها الثلاث آية وعبرة ودلالة كما تقدم في قوله تعالى ﴿فَلا أُقْسِمُ بِالخُنَّسِ الجَوارِ الكُنَّسِ﴾ وقال ﴿والنَّجْمِ إذا هَوى﴾ وقال ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشارِقِ والمَغارِبِ﴾ صدق الله العظيم
ويرجح هذا القول أيضًا أن النجوم حيث وقعت في القرآن فالمراد منها الكواكب كقوله تعالى ﴿وَإدْبارَ النُّجُومِ﴾ وقوله ﴿والشَّمْسُ والقَمَرُ والنُّجُومُ﴾ صدق الله العظيم
وعلى هذا فتكون المناسبة بين ذكر النجوم في القسم وبين المقسم عليه وهو القرآن من وجوه أحدها أن النجوم جعلها الله يهتدى بها في ظلمات البر والبحر وآيات القرآن يهتدى بها في ظلمات الجهل والغي فتلك هداية في الظلمات الحسية وآيات القرآن في الظلمات المعنوية
فجمع بين الهدايتين مع ما في النجوم من الرجوم للشياطين وفي آيات القرآن من رجوم شياطين الإنس
والجن والنجوم آياته المشهودة المعاينة والقرآن آياته المتلوة السمعية مع ما في مواقعها عند الغروب من العبرة والدلالة على آياته القرآنية ومواقعها عند النزول
ومن قرأ بموقع النجوم على الأفراد فلدلالة الواحد المضاف إلى الجمع على التعدد والمواقع اسم جنس والمصادر إذا اختلفت جمعت وإذا كان النوع واحدًا أفردت قال تعالى (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) فجمع الأصوات لتعدد النوع وأفرد صوت الحمير لوحدته فإفراد موقع النجوم لوحدة المضاف إليه وتعدد المواقع لتعدده إذ لكل نجم موقع

 

 

وفي الأخير، نريد الرد على من قال أن الجوار الكنس الخنس هي الثقوب السوداء

فنبدأ بقول الله تعالى : ( وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یُجَـٰدِلُ فِی ٱللَّهِ بِغَیۡرِ عِلۡم وَلَا هُدى وَلَا كِتَـٰبࣲ مُّنِیر) صدق الله العظيم

ثم قوله تعالى: (وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن فِی ٱلۡأَرۡضِ یُضِلُّوكَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ إِن یَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا یَخۡرُصُونَ) صدق الله العظيم

ثم قوله تعالى: (إِنۡ هِیَ إِلَّاۤ أَسۡمَاۤءࣱ سَمَّیۡتُمُوهَاۤ أَنتُمۡ وَءَابَاۤؤُكُم مَّاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَـٰنٍۚ إِن یَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى ٱلۡأَنفُسُۖ وَلَقَدۡ جَاۤءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلۡهُدَىٰۤ) صدق الله العظيم

وقد فصلنا وأثبتنا أن ملايين السنين الضوئية هذة ماهي الا من الخرافات، وأن مثل هذة المسافة الخيالية تكون أبعد من مكان السماء السابعة حتى. ولنعلم أن الثقب الأسود المزعوم، لايخنس، وليس من الجوار. فيكف لنا أن نفتري ونتقول ونفسر القرآن بعلم الظنون والشكوك، ونترك الأثر ولانفسرة بكلام الله ورسوله؟ نستغفر الله من فعل هذا فبهذا القول وبقول أن البشر صعدوا للقمر تكذيب لحديث الإسراء والمعراج

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، والحمد لله رب العالمين

2 comments

  1. […] فالتكوير تغطية الشيء بالشيء، إضمحلاله، توريته، إخفاؤه، وكان العرب يقولون كور عمامته، فهو يغطي بعضها ببعض ولم يذكر الله أنه يكور الليل على الأرض والتكوير يكون على عدة أشكال وليس محصوراً على شكل الكرة، وكما ذكرنا أنها تعني خفاء وإضمحلال ومن هذا التعريف نستطيع تفسير قوله تعالى ( إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ)، بالتفسير الصحيح […]

    Like

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s