لهو الحديث

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد الخلق والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

قال الله ( وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَشۡتَرِی لَهۡوَ ٱلۡحَدِیثِ لِیُضِلَّ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ بِغَیۡرِ عِلۡم وَیَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ عَذَاب مُّهِین) صدق الله العظيم

لنأخذ آية لهو الحديث على أنهه القاعدة العامة التي يمكن من خلالها معرفة أنواع الحديث، فنعلم أحسن الحديث وكيفية إتباعه وكذلك نعلم عن الحديث الذي يؤدي الى الضلال عن طريق الحق

ولكن ماهو لهو الحديث المذكور في سورة لقمان؟

لنبدأ هذا بصورة عامة ثم لنأتي بالتخصيص

قال الله ( وَمَا هَـٰذِهِ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَاۤ إِلَّا لَهۡو وَلَعِب وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡـَٔاخِرَةَ لَهِیَ ٱلۡحَیَوَانُۚ لَوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ صدق الله العظيم

يخبر تعالى عن حالة الدنيا والآخرة، وفي ضمن ذلك، التزهيد في الدنيا والتشويق للأخرى، فقال: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) في الحقيقة ﴿إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ﴾ تلهو بها القلوب، وتلعب بها الأبدان، بسبب ما جعل اللّه فيها من الزينة واللذات، والشهوات الخالبة للقلوب المعرضة، الباهجة للعيون الغافلة، المفرحة للنفوس المبطلة الباطلة، ثم تزول سريعا، وتنقضي جميعا، ولم يحصل منها محبها إلا على الندم والحسرة والخسران) – السعدي

وهذا حال الدنيا عامة وهذا هو اللهو وقد يكون في الخير أو الشر فعرفنا هنا اللهو بصورته العامة ولكن ماهو اللهو ذي الضلال المبين؟

قال الله ( ٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ دِینَهُمۡ لَهۡو وَلَعِب  وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَاۚ فَٱلۡیَوۡمَ نَنسَىٰهُمۡ كَمَا نَسُوا۟ لِقَاۤءَ یَوۡمِهِمۡ هَـٰذَا وَمَا كَانُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا یَجۡحَدُونَ) صدق الله العظيم

وقال الله ( وَذَرِ ٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ دِینَهُمۡ لَعِبࣰا وَلَهۡوࣰا وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَاۚ وَذَكِّرۡ بِهِۦۤ أَن تُبۡسَلَ نَفۡسُۢ بِمَا كَسَبَتۡ لَیۡسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِیࣱّ وَلَا شَفِیعࣱ وَإِن تَعۡدِلۡ كُلَّ عَدۡلࣲ لَّا یُؤۡخَذۡ مِنۡهَاۤۗ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ أُبۡسِلُوا۟ بِمَا كَسَبُوا۟ۖ لَهُمۡ شَرَابࣱ مِّنۡ حَمِیمࣲ وَعَذَابٌ أَلِیمُۢ بِمَا كَانُوا۟ یَكۡفُرُونَ) صدق الله العظيم

فمن الضلال المبين إتخاذ الدين لهو ولعب، اما لهو الحديث فهو الحديث الذي يُضل عن سبيل الله

وأحسن الحديث وأصدقه كلام الله ( ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِیثِ كِتَـٰبࣰا مُّتَشَـٰبِهࣰا مَّثَانِیَ تَقۡشَعِرُّ مِنۡهُ جُلُودُ ٱلَّذِینَ یَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ)، وقال ( ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۚ لَیَجۡمَعَنَّكُمۡ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ لَا رَیۡبَ فِیهِۗ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِیثࣰا)، وفي كتاب الله أحاديث كثيرة( وَهَلۡ أَتَىٰكَ حَدِیثُ مُوسَىٰۤ)، وقال ( هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِیثُ ضَیۡفِ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ ٱلۡمُكۡرَمِینَ) صدق الله العظيم

أما الحديث الضال الشيطاني فيشمل مايلي

قال الله ( وَقَدۡ نَزَّلَ عَلَیۡكُمۡ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ أَنۡ إِذَا سَمِعۡتُمۡ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ یُكۡفَرُ بِهَا وَیُسۡتَهۡزَأُ بِهَا فَلَا تَقۡعُدُوا۟ مَعَهُمۡ حَتَّىٰ یَخُوضُوا۟ فِی حَدِیثٍ غَیۡرِهِۦۤ إِنَّكُمۡ إِذࣰا مِّثۡلُهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ وَٱلۡكَـٰفِرِینَ فِی جَهَنَّمَ جَمِیعًا) صدق الله العظيم

قال الله ( أَوَلَمۡ یَنظُرُوا۟ فِی مَلَكُوتِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَیۡءࣲ وَأَنۡ عَسَىٰۤ أَن یَكُونَ قَدِ ٱقۡتَرَبَ أَجَلُهُمۡۖ فَبِأَیِّ حَدِیثِۭ بَعۡدَهُۥ یُؤۡمِنُونَ) صدق الله العظيم

فالحديث في القرآن له خمسة أوجه كما ذكر هذا الفيروزآبادي، أصدقه كلام الله وخير الهدي هدي النبي، ومن الحديث ما هو ضلاله، ومن الحديث ما يحرك المشاعر ويلهي ليوصل الناس الى الضلالة

الأَوّل بمعنى: الأَخبار والآثار. (أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ) أَى أَتخبرونهم. الثَّانى بمعنى: القول والكلام (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثاً)أَى قولاً. الثَّالث بمعنى: القرآن العظيم (فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ) (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ). الرّابع بمعنى: القِصَصَ ذات العِبَرِ (الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث) أَى أَحسن القِصَصِ. الخامس بمعنى: العِبَر فى حديث الكفَّار والفجّار (فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ) قال الشاعر:

كلُّ العلومِ سوى القُرْآنِ مَشْغَلة … أَو الأَحاديث من دون الدواوينِ

فبالقرَانِ أُقيمت كلُّ مائلةٍ … وبالحديث استقامتْ دولةُ الدين

العلم ما كان فيه قال حدثنا … وما سواه فوسواس الشياطين

وكلُّ كلام يَبلغ الإِنسان من جهة السّمع أَو الوحى فى يقظته أَو منامه يقال له: حديث. قال تعالى (وَإِذَ أَسَرَّ النبي إلى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً) وقوله (وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأحاديث) أَى ما يحدّث به الإِنسان فى نومه

ومن الحديث استئناس كذلك ( یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَدۡخُلُوا۟ بُیُوتَ ٱلنَّبِیِّ إِلَّاۤ أَن یُؤۡذَنَ لَكُمۡ إِلَىٰ طَعَامٍ غَیۡرَ نَـٰظِرِینَ إِنَىٰهُ وَلَـٰكِنۡ إِذَا دُعِیتُمۡ فَٱدۡخُلُوا۟ فَإِذَا طَعِمۡتُمۡ فَٱنتَشِرُوا۟ وَلَا مُسۡتَـٔۡنِسِینَ لِحَدِیثٍۚ إِنَّ ذَ ٰ⁠لِكُمۡ كَانَ یُؤۡذِی ٱلنَّبِیَّ فَیَسۡتَحۡیِۦ مِنكُمۡۖ وَٱللَّهُ لَا یَسۡتَحۡیِۦ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ وَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَـٰعࣰا فَسۡـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَاۤءِ حِجَابࣲۚ ذَ ٰ⁠لِكُمۡ أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚ وَمَا كَانَ لَكُمۡ أَن تُؤۡذُوا۟ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَاۤ أَن تَنكِحُوۤا۟ أَزۡوَ ٰ⁠جَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦۤ أَبَدًاۚ إِنَّ ذَ ٰ⁠لِكُمۡ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِیمًا) صدق الله العظيم

واذاً لنقل أن لهو الحديث يشمل كل الحديث الذي يلهي ويحرك المشاعر كبعض أنواع الشعر التي قد تبعد العبد عن ربه وكانت هذه مقدمة لما سيلي عن الشعر والغناء

وقال البخاري في صحيحة عن لهو الحديث: كُلُّ لَهْوٍ بَاطِلٌ إِذَا شَغَلَهُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ : تَعَالَ أُقَامِرْكَ

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ الْحَبَشُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ، فَسَتَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَنْظُرُ، فَمَا زِلْتُ أَنْظُرُ حَتَّى كُنْتُ أَنَا أَنْصَرِفُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ تَسْمَعُ اللَّهْوَ. رواه البخاري

أما الإجزام بأن لهو الحديث هو الغناء فيظهر أن الآية أعم من هذا. فبعض الغناء من اللهو ولكن كذلك الشعر وكذلك أي حديث يلهي عن الدين

الحديث الذي كان يقسم فيه ابن مسعود أن لهو الحديث هو الغناء،. بخصوص سند رواية ابن مسعود

قال ابن جرير : حدثني يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يزيد بن يونس [مجهول]، عن أبي صخر [ثقة]، عن أبي معاوية البجلي [مجهول ولم يسمع من سعيد شيئاً]، عن سعيد بن جبير [ثقة]، عن أبي الصهباء البكري [ليس بحجة]، أنه سمع عبد الله بن مسعود – وهو يسأل عن هذه (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) فقال عبد الله: الغناء، والله الذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات. موقوف

وهنا يتضح أكثر معنى اللهو وأن منه المقبول في المناسبات

حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّهَا زَفَّتِ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” يَا عَائِشَةُ، مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ ؛ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ ؟ “. رواه البخاري

وهذا فتح الباري لشرح الحديث

قوله: ( أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار ) لم أقف على اسمها صريحا، وقد تقدم أن المرأة كانت يتيمة في حجر عائشة، وكذا للطبراني في ” الأوسط ” من طريق شريك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، ووقع عند ابن ماجه من حديث ابن عباس: ” أنكحت عائشة قرابة لها “، ولأبي الشيخ من حديث جابر: ” أن عائشة زوجت بنت أخيها أو ذات قرابة منها “، وفي ” أمالي المحاملي ” من وجه آخر عن جابر: ” نكح بعض أهل الأنصار بعض أهل عائشة فأهدتها إلى قباء “، وكنت ذكرت في المقدمة تبعا لابن الأثير في ” أسد الغابة ” فإنه قال: إن اسم هذه اليتيمة المذكورة في حديث عائشة: الفارعة بنت أسعد بن زرارة، وأن اسم زوجها: نبيط بن جابر الأنصاري، وقال في ترجمة الفارعة: ؟إن أباها أسعد بن زرارة أوصى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيط بن جابر، ثم ساق من طريق المعافى بن عمران الموصلي حديث عائشة الذي ذكرته أولا من طريق بهية عنها، ثم قال: ” هذه اليتيمة هي الفارعة المذكورة “، كذا قال، وهو محتمل، لكن منع من تفسيرها بها ما وقع من الزيادة أنها كانت قرابة عائشة، فيجوز التعدد، ولا يبعد تفسير المبهمة في حديث الباب بالفارعة؛ إذ ليس فيه تقييد بكونها قرابة عائشة. قوله: ( ما كان معكم لهو )، في رواية شريك فقال: ” فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ قلت : تقول ماذا؟ قال: تقول: أتينـاكـم أتينـاكم فحيـانـا وحيـاكـم ولولا الذهب الأحمـ ـر ما حلت بواديكم ولولا الحنطة السمرا ء ما سمنت عذاريكم “. وفي حديث جابر بعضه، وفي حديث ابن عباس أوله إلى قوله: ” وحياكم “. قوله: ( فإن الأنصار يعجبهم اللهو )، في حديث ابن عباس وجابر: ” قوم فيهم غزل “، وفي حديث جابر عند المحاملي: ” أدركيها يا زينب – امرأة كانت تغني بالمدينة – ويستفاد منه تسمية المغنية الثانية في القصة التي وقعت في حديث عائشة الماضي في العيدين حيث جاء فيه: ” دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان “، وكنت ذكرت هناك أن اسم إحداهما حمامة، كما ذكره ابن أبي الدنيا في ” كتاب العيدين ” له بإسناد حسن، وأني لم أقف على اسم الأخرى، وقد جوزت الآن أن تكون هي زينب هذه، وأخرج النسائي من طريق عامر بن سعد عن قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاريين قال: ” أنه رخص لنا في اللهو عند العرس “، الحديث، وصححه الحاكم، وللطبراني من حديث السائب بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” وقيل له: أترخص في هذا؟ قال: نعم، إنه نكاح لا سفاح، أشيدوا النكاح “، وفي حديث عبد الله بن الزبير عند أحمد وصححه ابن حبان والحاكم: ” أعلنوا النكاح “، زاد الترمذي وابن ماجه من حديث عائشة: ” واضربوا عليه بالدف ” وسنده ضعيف، ولأحمد والترمذي والنسائي من حديث محمد بن حاطب: ” فصل ما بين الحلال والحرام الضرب بالدف “، واستدل بقوله: ” واضربوا ” على أن ذلك لا يختص بالنساء، لكنه ضعيف، والأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء

One comment

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s