ماهو المقصود بالكروية عند أهل الشرع؟ هل كشكل كرة القدم أم كروية أي مستديرة كالعملة المعدنية؟
قال القرطبي رحمه الله في تفسير سورة الرعد الاية رقم 3 : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ: أَوَّلُ جَبَلٍ وُضِعَ عَلَى الْأَرْضِ أَبُو قُبَيْسٍ«2». مَسْأَلَةٌ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَرْضَ كَالْكُرَةِ، وَرَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَرْضَ تَهْوِي أَبْوَابُهَا عَلَيْهَا، وَزَعَمَ ابْنُالرَّاوَنْدِيِّ أَنَّ تَحْتَ الْأَرْضِ جِسْمًا صَعَّادًا كَالرِّيحِ الصَّعَّادَةِ، وَهِيَ مُنْحَدِرَةٌ فَاعْتَدَلَ الْهَاوِي وَالصَّعَّادِي فِي الْجِرْمِ وَالْقُوَّةِفَتَوَافَقَا. وَزَعَمَ آخَرُونَ أَنَّ الْأَرْضَ مُرَكَّبٌ مِنْ جِسْمَيْنِ، أَحَدُهُمَا مُنْحَدِرٌ، وَالْآخَرُ مُصْعِدٌ، فَاعْتَدَلَا، فَلِذَلِكَ وَقَفَتْ. وَالَّذِي عَلَيْهِالْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ الْقَوْلُ بِوُقُوفِ الْأَرْضِ وَسُكُونِهَا وَمَدِّهَا، وَأَنَّ حَرَكَتَهَا إِنَّمَا تَكُونُ فِي الْعَادَةِ بِزَلْزَلَةٍ تُصِيبُهَا
وقال في تفسير سورة الحجر الآية 19 :
وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا كَالْكُرَةِ . وهو ينقل قول ابن عباس رضي الله عنه
توفي القرطبي رحمه الله سنة 671 هـ و ابن عطية 481 هـ وقد صرح ابن عطية بأنها ليست كرة في تفسير آية الغاشيةفقال : وظاهر هذه الآية أن الأرض سطح لا كرة، وهو الذي عليه أهل العلم
فمعناه ان ابن تيمية رحمه الله يريد انها مستديرة كالقطعة المعدنية لا كالكرة فهو قد اطلع على تفسير السابقيْن –ابنعطية و القرطبي – وقال لم يقل بغير ذلك الا من لا يؤبه له من الجهال، وظاهر الرسالة العرشية يفيد بهذا، وان كانت كريتهتأخذ الشكل المقبب أو نصف الكره بمعنى ان القطب الشمالي اعلى بقليل من الجنوبي وهذا ماذكره
وكذلك عندما قال ان السماء مستديرة هل قصد أنها كرة أم دائرية؟ تأمل
تفسير الماوردي في سورة الرعد آية رقم 3 :
{وهو الذي مَدّ الأرض} أي بسطها للاستقرار عليها , رداً على من زعم أنها مستديرة كالكره اهـ
و الماوردي معاصر لابن حزم ناقل الاجماع على كروية الأرض،و الماوردي يصرح أنها ليست كرة
والقحطاني في النونية أنكر كرويتها إنكارا شديدا وهو من القرن الرابع
فهنا يقول عليه (علماء الشرع) فيبعد أن يقول هذا الكلام وقد اطلع على الاجماع ثم هنا يقول أنها منبسطة لا كرة
ولم يرد أحدٌ من أهل العلم والتفسير على أحد فدل على أن كلامهم ومرادهم واحد،وأن القول بالكرة هو قول المنجمين
فالحاصل أن ابن عطية قال هو الذي عليه أهل العلم (ليست كرة). انتهى
والسيوطي ( عليه علماء الشرع) ليست كرة. انتهى
والقحطاني في نونيته ( والأرض عند أولي النهى لسطيحة …والله بين ذلك أيما تبيان). انتهى
وإن قلنا أن هؤلاء أخطأوا !! مع أنهم ينسبون القول لكافة اهل العلم،فإذن ليس هناك ثم إجماع أصلا، وهذا إن سلمنا أنالاجماع يتكلم عن الأرض لا عن استدارة السموات أصلا
إذا نظرنا في طبقة الصحابة فإننا لا نجد قولة واحدة عن أحدهم يذكر فيها أن الأرض كروية الشكل. نعم، لقد ذكر ابنتيمية أُثرا عن ابن عباس أورده في سياق حديثه عن الآية الكريمة: “لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُالنَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ”([1]) جاء فيه: “في فلكة مثل فلكة المغزل”([2])، لكن هذا كان في إطار حديثه عن شكلالسماء، وقد استدل ابن تيمية بهذا الأثر على استدارتها، فليس هذا مما يعنينا
أما الأرض فلم أجد قولا واحدا لصحابي واحد ينص على كروية الأرض، بل أزعم أنه لو وُجد هذا القول لساقه ابن تيميةواستدل به على كروية الأرض كما ساق قول ابن عباس للاستدلال على استدارة السماء، ولساقه غيره ممن قالوا بكرويتهاوهذا بين واضح. ولعل أحد القراء الكرام يجد أثرا عن صحابي فيه نصٌّ على كروية الأرض فيمدنا به وينقله إلينا ونكونله شاكرين. وليعلم أنه حتى إن نقله إلينا فإنه لا يدل أبدا على الإجماع، بل يكون قولا لفرد من الصحابة أو فردين، فإنعلمنا مخالفا له فذاك، وإلا فعدم علمنا بمخالف له لا يعني عدمه
وحتى تعلم علم اليقين أنه لا يصح إطلاق الإجماع على كروية الأرض، فإليك نقولا عن أناس قالوا بخلاف ما دل عليهالإجماع وهم ممن عاصروا أو سبقوا العلماء القائلين بالإجماع:
أولا: قال القونوي (ت 1195هـ) في حاشيته على تفسير البيضاوي (ت 685هـ) معلقا على ما قرره من تكوير الأرض: “وإنصح إرادتها بل كونها مسطحة راجحة لأنها مختار ابن عباس (ت 68هـ) عن ابن عمر (ت 73هـ) رضي الله تعالى عنهموظاهر قوله تعالى: “وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا”([3])، وقوله تعالى: “لَاتَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا”([4])، “وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَدَحَاهَا”([5]) يدل على كونها مسطحة، وابن عباس وجمع كثير من أهل العلم أعلم باللسان وأدرى بالبيان، فلا جرم أنالميل إليه مقبول لدى أولي العرفان، والكروية قول الفلاسفة، والظاهر أنها مختار المصنف تبعا للإمام الرازي فإنه قولالوجوه العقلية التي أقيمت على الكروية في تفسيره، والمصنف تبعه مع تقرير حدوثها فحينئذ لا محذور في كلاالاحتمالين لكن متابعة السلف أسلم”([6]). انتهى
ثانيا: جاء في تفسير مقاتل بن سليمان (ت 150هـ) نصوص عديدة تشير إلى القول بتسطيح الأرض، منها على سبيلالمثال لا الحصر: “وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا” يعني بسطناها، يعني: مسيرة خمسمائة عام طولها، وعرضها وغلظها مثله،فبسطها من تحت الكعبة”([7]). انتهى
ثالثا: يقول ابن عطية الأندلسي (481 – 541هـ) في تفسيره للآية 19 من سورة نوح: “… وأما اعتقاد كونها بسيطة فهوظاهر كتاب الله تعالى، وهو الذي لا يلحق عنه فساد البتة. واستدل ابن مجاهد (245 – 324هـ) على صحة ذلك بماء البحرالمحيط بالمعمور، فقال: لو كانت الأرض كروية لما استقر الماء عليها“([8]). انتهى
ثالثا: يقول عبد القاهر البغدادي (ت 429هـ): “والباسط في الدلالة على بسط الرزق لمن شاء، وعلى أنه بسط الأرض،ولذلك سماها بساطا خلاف قول من زعم من الفلاسفة والمنجمين أن الأرض كرية غير مبسوطة“([9]). انتهى
رابعا: يقول الماوردي (364 – 450هـ): قال: “قوله عز وجل “وهو الذي مد الأرض” أي بسطها للاستقرار عليها، ردا على منزعم أنها مستديرة كالكرة“([10]). انتهى
خامسا: يقول القرطبي (ت 671هـ): “قوله تعالى: “وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا” هذا من نعمه أيضا، ومما يدل على كمال قدرته. قالابن عباس: بسطناها على وجه الماء، كما قال (والأرض بعد ذلك دحاها) أي: بسطها. وقال: “وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَالْمَاهِدُونَ”. وهو يرد على من زعم أنها كالكرة“([11]). انتهى
هكذا إذًا ينسب القونوي والقرطبي عن ابن عباس –وهو من الصحابة– القول بتسطيح الأرض وأنها بسطت على الماء([12])، كما يذكر ابن عطية عن ابن مجاهد الذي عاصر ابن المنادي الذي قال بالكروية، أنه نفى كروية الأرض. وهذا عبدالقاهر البغدادي والماوردي وهما من المعاصرين لابن حزم الأندلسي والسابقين لابن تيمية وابن الجوزي ينفيان بعبارةواضحة كروية الأرض، وفي هذا كفاية، إذ قد اتضح لنا في غاية الوضوح أنه لا إجماع على كروية الأرض. ولقد نص غيرواحد من القائلين بكروية الأرض على الخلاف، ولم يتكلفوا أو يجازفوا في ادعاء الإجماع، ومن هؤلاء فخر الدين الرازي(544 – 604هـ)([13]) وابن عادل (ت 880هـ)([14]) وغيرهما، ولقد آثرت الاكتفاء بهما لعدم الإطالة
تقدم معنا ما ذكره ابن تيمية من أن “دعوى الإجماع من علم الخاصة الذي لا يمكن الجزم فيه بأقوال العلماء، إنما معناهاعدم العلم بالمنازع، ليس معناها الجزم بنفي المنازع، فإن ذلك فيه قول بلا علم“، وكذا ما نقله ابن القيم عن بعض العلماءكالإمام أحمد من “أن من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا” وفي رواية “إذا سمعت الناس يقولون أجمعوافاتهمهم” وفي أخرى “لا ينبغي لأحد أن يدعي الإجماع، لعل الناس اختلفوا”، كما تقدم قول ابن عثيمين في شرحه علىالعقيدة الواسطية: “فشيخ الإسلام رحمه الله كأنه يقول: من ادعى الإجماع بعد السلف الصالح، وهم القرون الثلاثة، فإنهلا يصح دعواه الإجماع”، وتقدم الحديث حول خطورة دعوى الإجماع، والسؤال هنا هو، لماذا ينقل ابن تيمية الإجماع عنابن المنادي بعبارة صريحة “أجمعوا” وهو ممن انتقدوا من يدعون الإجماع دون إثبات له؟ ولماذا لم يعرج عليه أو يذكرعلى الأقل أنه ليس إجماعا قطعيا؟ بل هو ممن يعتبر الإجماع المنضبط إنما هو إجماع السلف خاصةً، فلماذا لم يبين عدمانضباط ما حكاه ابن المنادي؟ وابن تيمية نفسه يقول “اتفقوا”، وإن كانت هذه العبارة أقل درجة من سابقتها، إلا أنها منالعبارات المفيدة للإجماع، فهل نقول إن ما ذكره ابن تيمية تناقض مع نفسه؟ وهل نقول إن ما نقله ابن القيم عن الإمامأحمد من عبارات تُصرح بكذب من يدعي الإجماع وبتخطئته تنطبق على ابن تيمية وكذا على ابن المنادي؟
يقول عبد الله بن مبارك البوصي في موسوعة الإجماع لابن تيمية بعد نقله العبارات الصريحة في حكاية الإجماع والتيمن بينها “أجمعوا”: “كل هذه العبارات تدل على الإجماع صراحة ما لم توجد قرينة تدل على أنه يريد بها قول الجمهور،أو يريد به إجماعا محصورا بمذهب أو بلد معين. ومن هذه القرائن أن يعبر عن الإجماع في موضع آخر بقول يدل علىأنه قول الجمهور أو يذكر خلافا في المسألة مع حكاية الإجماع مما يدل أنه لا يعتد بخلاف الأقل، ونحوها منالقرائن”([15]). انتهى
فوارد جدا أن يكون قصد ابن المنادي بقوله: أجمعوا “الجمهورَ” حسب محيطه الذي كان فيه، أو جمهور العلماء حسبمبلغه من العلم، ووارد أنه ربما كان يقصد إجماع أهل بلده مما كان شائعا فيه آنئذ، كما هو وارد أيضا أن يكون قصدهبذلك علماء الهيئة والجغرافيا والطبيعيات عموما، كل هذا وارد، وهذا القول لا بد من وضعه في الحسبان إحسانا الظنَّبأهل العلم، وتنزيههم عن أن يزعموا زعما دون دليل، أو ينتصروا لقولهم بالدعوى المجردة غير المنبنية على برهانصحيح، أو عن أن يتعمدوا الكذب نصرة لقولهم أو ما إلى ذلك. انتهى
وكذلك عبارة ابن تيمية “اتفقوا”، هي “في الجملة أضعف من القسم الأول” حسب صاحب موسوعة الإجماع لابن تيمية،ويعلل ذلك بـ”أنها ترد عليها احتمالات كثيرة تخرجها عن الدلالة على الإجماع، كأن يكون مراد حاكي الاتفاق اتفاق الأئمةالأربعة، أو اتفاق أهل مذهبه، أو أهل بلده، أو غير ذلك”، ثم يواصل ذاكرا بعض الفروق بين عبارتي الاتفاق والإجماعمنها: “أن يكون المراد أحيانا اتفاق المذهب كما هو مصطلح بعض المصنفين في الكتب المذهبية التي عنيت بتحريرالمذهب. وقد يكون الاتفاق ظنيا لا يجزم العالم بالإجماع، فلذا يعبر بالاتفاق”([16]). انتهى
وإذًا فمحتمل أن يكون قصد ابن تيمية بقوله “اتفقوا” غير ما يتبادر للذهن من “الإجماع”، وهذا كما قلنا إحسانا الظنَّبالعلماء، وحمل أقوالهم على ما يحتمل ويحتمل درءا للمطاعن التي قد توجه إليهم في حال حمل ألفاظهم على ظاهرها،وإن كنا في الحقيقة نلومهم وننتقد عدم تعريجهم وتوضيحهم للمقصود من العبارة، وكذا على عدم التنصيص على كونالإجماع ليس قطعيا لأن هذا يلتبس غالبا على الكثيرين من الناس، وقد حدث، كما لا شك أن هناك تناقضا –حسب مايبدو– بين النظري والتطبيقي، وهذا يحدث كثيرا لأهل العلم، وليس أحد معصوما من الخطأ
زعم ابن حزم أن “أحدا من أئمة المسلمين –المستحقين لاسم الإمامة بالعلم– لم ينكروا تكوير الأرض، وأنه لا يحفظ لأحدمنهم دفعه كلمة
معلوم أن كلمة “أَحَدًا، لأحدٍ” هنا نكرة في سياق النفي، فهي تعم إذًا كل أئمة المسلمين دون استثناء، وزيادة على النفيالعام يتحدث ابن حزم على سبيل الجزم، فهو يؤكد أن أحدا لم ينكر تكوير الأرض، كما يؤكد أنه لا يحفظ لأحد منهم كلمةفي دفعه –أي القول بعدم كروية الأرض–، وهذه قضية كلية سالبة تنقضها جزئية موجبة كما عند المناطقة، وقد تقدم معناقولان لعالمين ممن عاصروا ابن حزم وهما “عبد القاهر البغدادي” و”الماوردي” نصا على نفي كروية الأرض، فيكون قولابن حزم قد انتقض من أصله. لكن السؤال، هل يعتبر ابن حزم أن هذين العالمين غير مستحقين لاسم الإمامة بالعلم؟ أم أنهلم يطلع على قوليهما؟ الاحتمال الثاني وارد، لكن يبقى قوله فيه تكلف، وليس بواجب علينا الكلام حول كل هذا إذ البحثلا يسعه، كما أنه ليس من غرضنا، إنما المهم هو الإجابة عن سؤال الإجماع إثباتا أو نفيا، وقد تقدم بما لا يدع مجالا للشك أنه منتف
ولا بأس في هذا السياق أن أسوق أقوالا لعلماء آخرين نصوا على نفي كروية الأرض وقالوا بتسطيحها: القحطاني (ت387هـ، وفيه شك)([17]): قال في قصيدته المشهورة المسماة بـ”نونية القحطاني” مكذبا للقائلين بكروية الأرض: “كـذبالـمهندس والـمنـجـم مـثـلـه فــهمـــا لـعــلم الله مـدعـيـــان
الأرض عـنـد كليــهمـا كـــرويــــة وهــــما بهذا الـقول مقترنــان
والأرض عند أولي النهى لسَطِيحَةٌ بدليل صـدق واضح القـــــرآن
والله صيــرهــا فــراشــا للــــورى وبــنى السماء بأحسن البنيـــان
والله أخـــبر أنهــا مـسطوحـــــــــة وأبـــان ذلك أيـمـــا تبيــــــــان
أأحاط بالأرض المحيطة علمهـــم؟ أم بالأرض الشمخ الأكنـــــان؟” إلى أن قال: “يا فيلسوف لقد شغلت عن الهــدى بالمنطقالرومي واليونانـــي”([18]) انتهى
الخازن (ت 741هـ): قال في قوله تعالى: “وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ”: “لما ذكر الدليل على وحدانيته وكمال قدرته وهي رفعالسماوات بغير عمد، وذكر أحوال الشمس والقمر أردفها بذكر الدلائل الأرضية، فقال: وهو الذي مد الأرض أي بسطها علىوجه الماء، وقيل: كانت الأرض مجتمعة فمدها من تحت البيت الحرام، وهذا القول إنما يصح إذا قيل إن الأرض منسطحةكالأكف، وعند أصحاب الهيئة: الأرض كرة، ويمكن أن يقال: إن الكرة إذا كانت كبيرة عظيمة فكل قطعة منها تشاهد ممدودةكالسطح الكبير العظيم، فحصل الجمع، ومع ذلك فالله تعالى قد أخبر أنه مد الأرض، وأنه دحاها وبسطها وكل ذلك يدلعلى التسطيح والله تعالى أصدق قيلا وأبين دليلا من أصحاب الهيئة”([19]). انتهى
الثعالبي (ت 875هـ): قال في تفسيره لسورة نوح: “وظاهر الآية: أنَّ الأرْضَ بسيطَةٌ غيرُ كُرِيَةً، واعتقادُ أحَدِ الأمْرَيْنِ غَيْرُقَادِح في الشرْعِ بنفسِه، اللهمَّ إلاَّ أنْ يترتبَ على القولِ بالكُرِيَّةِ نَظَرٌ فاسِدٌ، وأما اعتقادُ كونِها بسيطةً، فهو ظاهِرُ كتابِ اللَّهتعالى، وهو الذي لاَ يَلْحَقُ عنه فسادٌ أَلْبَتَّةَ، واستدلَّ ابن مجاهد علَىٰ صحَّة ذلك بماءِ البحر المُحِيطِ بالمَعْمُورِ فَقَال: لَوْ كانتالأرضُ كُرِيَّةً لَمَا اسْتَقَرَّ المَاءُ عَلَيْهَا”([20]). وقال في تفسير سورة الغاشية: “وظاهر الآية أن الأرض سطح لا كرة، وهو الذيعليه أهل العلم، وقد تقدم الكلام على هذا المعنى”([21]). انتهى
جلال الدين السيوطي (849 – 911هـ) وجلال الدين المحلي (791 – 864هـ):
جاء في تفسير قول الله تعالى “وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ”: “وقوله “سطحت” ظاهر في أن الأرض سطح، لا كرةٌ كما قالهأهل الهيئة. وإن لم ينقض ركنا من أركان الشرع”([22]). انتهى
في جواب ابن تيمية عن السؤال الذي سُئِلَه بخصوص شكل السماء والأرض، يلاحظ عليه أنه إنما ركز كلامه على شكل“السماء” دون “الأرض”، وقوله إنه “لا يَعلم في علماء المسلمين من أنكر ذلك إلا فرقة يسيرة من أهل الجدل” و”لم يقل إنهاغير مستديرة و–جزم بذلك– إلا من لا يؤبه له من الجهال” عائد على شكل السماء لا شكل الأرض، بل لم يتحدث في إجابتهبأكملها –لمن أراد الرجوع إلى المصدر وقراءة الإجابة كاملة– عن شكل الأرض، وإنما تحدث عن شكل السماء، وقال إنهامستديرة، ثم ساق أدلة من القرآن والسنة، وكذا أقوال بعض الصحابة على ذلك، وإنما سقت قوله هذا ونبهت على أنه لميتحدث فيه عن شكل الأرض مع عدم حاجتي إليه هنا بسبب أن كثيرا ممن يتحدثون في المسألة يسوقون قوله هذاويستدلون به على كروية الأرض([23])، فأحببت أن أنبه عليه. انتهى
قول ابن حزم “إن البراهين قد صحت بأن الأرض كروية .. –إلى أن قال-: بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءتبتكويرها.”، هكذا بصيغة الجزم والتأكيد (إِنَّ – قَدْ)، فهل فعلا “إن البراهين من القرآن والسنة قد صحت بأن الأرضكروية”؟ هذا مما نتحقق منه في المبحث التالي تحت عنوان “الأرض في القرآن والسنة، مسطحة أو كروية؟”. انتهى
المراجع
مجموعة فتاوى ابن تيمية، ج: 6، ص: 557
في [3] سورة الحجر، الآية: 19
في [4] سورة طه، الآية: 107
في [5] سورة النازعات، الآية: 30
في [6] حاشية القونوي على تفسير البيضاوي، الناشر: دار الكتب العلمية، ج: 2، ص: 382
في [7] تفسير مقاتل بن سليمان، الناشر: مؤسسة التاريخ العربي – بيروت، ج: 2، ص: 426
في [8] المحرر الوجيز، ج: 5، ص 375
في [9] أصول الدين لعبد القاهر البغدادي، ص 124
في [10] النكت والعيون، الناشر: دار الكتب العلمية، ج: 3، ص: 92
في [11] تفسير القرطبي، الناشر: مؤسسة الرسالة، ج:12، ص: 190 – 191
في [12] لعلي نذكر بعض الأقوال لابن عباس التي فيها إشارات إلى تسطيح الأرض في المباحث التالية، وإنما اكتفيتبما ذكرت خشية الإطالة ولأن الغرض قد تحقق دون الحاجة إلى ذلك
في [13] انظر: مفاتيح الغيب للفخر الرازي، الناشر: دار الفكر، ج: 2، ص: 113 – 114
في [ 14] انظر: اللباب في علوم الكتاب لابن عادل، الناشر: دار الكتب العلمية، ج: 20، ص: 302
في [ 15] موسوعة الإجماع لابن تمية، الناشر: مكتبة دار البيان الحديثة، ص 12
في [16] موسوعة الإجماع لابن تيمية، ص 14 – 15 – 16
في [17] “تُنسب هذه القصيدة للإمام الحبر، العالم الرباني، أبي محمد عبد الله بن محمد الأندلسي القحطاني السلفيالمالكي. وقال صاحب “أربح البضاعة في معتقد أهل السنة والجماعة”: إن ناظم هذه القصيدة لعله محمد بن صالحالقحطاني المعارفي الأندلسي المالكي أبو عبد الله. وقد أشار الزركلي إلى محمد بن صالح القحطاني في كتابه “الأعلام” وذكر أن وفاته كانت سنة 387هـ. قال شارح النونية الشيخ السحيمي: “إن ما أورده صاحب “أربح البضاعة” وما نقله عنالزركلي من أن وفاته كانت سنة 387هـ محال، لأن الوقائع والأحداث والأشخاص الذين رد عليهم القحطاني مثل المعريالهالك سنة 449هـ، وابن تومرت المتوفى 524هـ …” إلى أن قال: “الأمر الذي يؤكد أن القحطاني كان بعد ذلك الوقتيقينا” (انظر: القطوف الدواني في شرح نونية القحطاني، للشيخ السحيمي، دار الميراث النبوي، ص: 14). انتهى
منقول