أخت هارون ولمحة عن بني إسرائيل

أخت هارون ولمحة عن بني إسرائيل

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد الخلق والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

قال الله ( فَأَتَتۡ بِهِۦ قَوۡمَهَا تَحۡمِلُهُۥۖ قَالُوا۟ یَـٰمَرۡیَمُ لَقَدۡ جِئۡتِ شَيئاً فَرِيا (٢٧) یَـٰۤأُخۡتَ هَـٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡء وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِیا ) صدق الله العظيم

من هارون هنا؟ هو هو أخ موسى عليهما السلام ؟

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ – وَاللَّفْظُ لِابْنِ نُمَيْرٍ – قَالُوا : حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، قَالَ : لَمَّا قَدِمْتُ نَجْرَانَ سَأَلُونِي، فَقَالُوا : إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ : { يَا أُخْتَ هَارُونَ } ، وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا ؟ فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ : ” إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ “. رواه مسلم

فَقَوْلُهُ تَعالى ﴿يا أُخْتَ هارُونَ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ عَلى حَقِيقَتِهِ. فَيَكُونَ لِمَرْيَمَ أخٌ اسْمُهُ هارُونُ كانَ صالِحًا في قَوْمِهِ، خاطَبُوها بِالإضافَةِ إلَيْهِ زِيادَةً في التَّوْبِيخِ، أيْ ما كانَ لِأُخْتِ مِثْلِهِ أنْ تَفْعَلَ فِعْلَتَكَ، وهَذا أظْهَرُ الوَجْهَيْنِ

وقد يحتمل ذلك أن مريم من ذرية هارون أخ موسى عليهم السلام جميعاً ومن سبط لاوي كما هو مذكور في إنجيل لوقا، لا نصدق ولا نكذب الكتب الأخرى ولكن معلومة للتأمل والصحيح أنه رجل صالح يدعى هارون كما في الحديث. مع العلم أن المدة بين موسى وعيسى عليهم السلام مدة طويلة جداً تتجاوز ألف وخمسمائة سنة كما قال إبن عباس بسند حسن

وبعد تفصيل تاريخ بني إسرائيل بالأدلة، من المفيد ذكر لمحة عن هذا التاريخ في سطور

من هو يعقوب ؟

ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺇﺳﺤﺎﻕ ﺑﻦ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ، ﺳﻤﻊ اﻟﻤﻌﺘﻤﺮ، ﻋﻦ ﻋﺒﻴﺪ اﻟﻠﻪ، ﻋﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﻤﻘﺒﺮﻱ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﻗﺎﻝ: ﻗﻴﻞ ﻟﻠﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻣﻦ ﺃﻛﺮﻡ اﻟﻨﺎﺱ؟ ﻗﺎﻝ «ﺃﻛﺮﻣﻬﻢ ﺃﺗﻘﺎﻫﻢ» ﻗﺎﻟﻮا: ﻳﺎ ﻧﺒﻲ اﻟﻠﻪ، ﻟﻴﺲ ﻋﻦ ﻫﺬا ﻧﺴﺄﻟﻚ، ﻗﺎﻝ: «ﻓﺄﻛﺮﻡ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﻮﺳﻒ ﻧﺒﻲ اﻟﻠﻪ، اﺑﻦ ﻧﺒﻲ اﻟﻠﻪ، اﺑﻦ ﻧﺒﻲ اﻟﻠﻪ، اﺑﻦ ﺧﻠﻴﻞ اﻟﻠﻪ» ﻗﺎﻟﻮا: ﻟﻴﺲ -[148]- ﻋﻦ ﻫﺬا ﻧﺴﺄﻟﻚ، ﻗﺎﻝ: «ﻓﻌﻦ ﻣﻌﺎﺩﻥ اﻟﻌﺮﺏ ﺗﺴﺄﻟﻮﻧﻲ» ﻗﺎﻟﻮا: ﻧﻌﻢ، ﻗﺎﻝ: «ﻓﺨﻴﺎﺭﻛﻢ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﺧﻴﺎﺭﻛﻢ ﻓﻲ اﻹﺳﻼﻡ ﺇﺫا ﻓﻘﻬﻮا» رواه البخاري

ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﺑﻜﻴﺮ، ﺣﺪﺛﻨﺎ اﻟﻠﻴﺚ، ﻋﻦ ﻋﻘﻴﻞ، ﻋﻦ اﺑﻦ ﺷﻬﺎﺏ، ﻗﺎﻝ: ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﻋﺮﻭﺓ: ﺃﻧﻪ ﺳﺄﻝ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ، ﺯﻭﺝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: ﺃﺭﺃﻳﺖ ﻗﻮﻟﻪ: (ﺣﺘﻰ ﺇﺫا اﺳﺘﻴﺄﺱ اﻟﺮﺳﻞ ﻭﻇﻨﻮا ﺃﻧﻬﻢ ﻗﺪ ﻛﺬﺑﻮا) ﺃﻭ ﻛﺬﺑﻮا؟ ﻗﺎﻟﺖ: «ﺑﻞ ﻛﺬﺑﻬﻢ ﻗﻮﻣﻬﻢ» -[151]-، ﻓﻘﻠﺖ: ﻭاﻟﻠﻪ ﻟﻘﺪ اﺳﺘﻴﻘﻨﻮا ﺃﻥ ﻗﻮﻣﻬﻢ ﻛﺬﺑﻮﻫﻢ، ﻭﻣﺎ ﻫﻮ ﺑﺎﻟﻈﻦ، ﻓﻘﺎﻟﺖ: «ﻳﺎ ﻋﺮﻳﺔ ﻟﻘﺪ اﺳﺘﻴﻘﻨﻮا ﺑﺬﻟﻚ»، ﻗﻠﺖ: ﻓﻠﻌﻠﻬﺎ ﺃﻭ ﻛﺬﺑﻮا، ﻗﺎﻟﺖ: ” ﻣﻌﺎﺫ اﻟﻠﻪ، ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﺮﺳﻞ ﺗﻈﻦ ﺫﻟﻚ ﺑﺮﺑﻬﺎ، ﻭﺃﻣﺎ ﻫﺬﻩ اﻵﻳﺔ، ﻗﺎﻟﺖ: ﻫﻢ ﺃﺗﺒﺎﻉ اﻟﺮﺳﻞ، اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﺑﺮﺑﻬﻢ ﻭﺻﺪﻗﻮﻫﻢ، ﻭﻃﺎﻝ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺒﻼء، ﻭاﺳﺘﺄﺧﺮ ﻋﻨﻬﻢ اﻟﻨﺼﺮ، ﺣﺘﻰ ﺇﺫا اﺳﺘﻴﺄﺳﺖ ﻣﻤﻦ ﻛﺬﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﻮﻣﻬﻢ، ﻭﻇﻨﻮا ﺃﻥ ﺃﺗﺒﺎﻋﻬﻢ ﻛﺬﺑﻮﻫﻢ، ﺟﺎءﻫﻢ ﻧﺼﺮ اﻟﻠﻪ ” ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ: ” {اﺳﺘﻴﺄﺳﻮا} [ﻳﻮﺳﻒ: 80] اﺳﺘﻔﻌﻠﻮا، ﻣﻦ ﻳﺌﺴﺖ ﻣﻨﻪ ﻣﻦ ﻳﻮﺳﻒ، {ﻻ ﺗﻴﺄﺳﻮا ﻣﻦ ﺭﻭﺡ اﻟﻠﻪ} [ﻳﻮﺳﻒ: 87] ﻣﻌﻨﺎﻩ اﻟﺮﺟﺎء رواه البخاري

فبني إسرائيل من ذرية سيدنا إبراهيم وأبناء سيدنا إبراهيم هم إسماعيل وإسحاق ومن بعد إسحاق يعقوب

قال الله ( أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ مِن ذُرِّیَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوح وَمِن ذُرِّیَّةِ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ وَإِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ وَمِمَّنۡ هَدَیۡنَا وَٱجۡتَبَیۡنَاۤۚ إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُ ٱلرَّحۡمَـٰنِ خَرُّوا۟ سُجَّداً وَبُكِیا ۩﴾ [مريم ٥٨] صدق الله العظيم

وممن اصطفينا واخترنا لرسالتنا ووحينا، فالذي عنى به من ذرية آدم إدريس، والذي عنى به من ذرية من حملنا مع نوح إبراهيم، والذي عنى به من ذرية إبراهيم إسحاق ويعقوب وإسماعيل، والذي عنى به من ذرية إسرائيل: موسى وهارون وزكريا وعيسى وأمه مريم، ولذلك فرق تعالى ذكره أنسابهم وإن كان يجمع جميعهم آدم لأن فيهم من ليس من ولد من كان مع نوح في السفينة، وهو إدريس، وإدريس جدّ نوح

قال الله ( إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰۤ ءَادَمَ وَنُوح وَءَالَ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ وَءَالَ عِمۡرَ ٰ⁠نَ عَلَى ٱلۡعَـٰلَمِینَ (٣٣) ذُرِّیَّةَۢ بَعۡضُهَا مِنۢ بَعۡض وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ (٣٤)﴾ [آل عمران ٣٣-٣٤] صدق الله العظيم 

ومن السياق والترتيب يظهر أن إسرائيل من بعد إبراهيم ولكن من هو إسرائيل؟

قال الله ( ۞ كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِلاً لِّبَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ مِن قَبۡلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوۡرَىٰةُۚ قُلۡ فَأۡتُوا۟ بِٱلتَّوۡرَىٰةِ فَٱتۡلُوهَاۤ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ) صدق الله العظيم

وفي هذه الجزئية رد لم زعم أن بني إسرائيل لم يكونوا من ذرية إبراهيم عليه السلام، بل زعم بعض منكري السنة أن سيدنا إبراهيم من ذرية إسرائيل

فبهذا نقول: أن سبب نزول هذه الآية فيه رد على اليهود بنكرهم للنسخ، وفيها وفي الآيات السابقة ربط و انتقالات صريحة في فنون الخطاب

فلنستعرض الآيات لنفهم المراد

قال الله (یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لِمَ تُحَاۤجُّونَ فِیۤ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ وَمَاۤ أُنزِلَتِ ٱلتَّوۡرَىٰةُ وَٱلۡإِنجِیلُ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِهِۦۤۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ (٦٥) هَـٰۤأَنتُمۡ هَـٰۤؤُلَاۤءِ حَـٰجَجۡتُمۡ فِیمَا لَكُم بِهِۦ عِلۡم فَلِمَ تُحَاۤجُّونَ فِیمَا لَیۡسَ لَكُم بِهِۦ عِلۡم  وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ (٦٦) مَا كَانَ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمُ یَهُودِیاً وَلَا نَصۡرَانِیاً وَلَـٰكِن كَانَ حَنِیفاً مُّسۡلِماً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ (٦٧) إِنَّ أَوۡلَى ٱلنَّاسِ بِإِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ لَلَّذِینَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِیُّ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ۗ وَٱللَّهُ وَلِیُّ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ (٦٨)﴾ [آل عمران ٦٥-٦٨] صدق الله العظيم

ثم ذكر الله سلسلة من تعارضات أهل الكتاب الى يصل السياق الى قوله تعالى (كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِلاً لِّبَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ) صدق الله العظيم

وهَذِهِ حُجَّةٌ جُزْئِيَّةٌ بَعْدَ الحُجَجِ الأصْلِيَّةِ عَلى أنَّ دِينَ اليَهُودِيَّةِ لَيْسَ مِنَ الحَنِيفِيَّةِ في شَيْءٍ، فَإنَّ الحَنِيفِيَّةَ لَمْ يَكُنْ ما حُرِّمَ مِنَ الطَّعامِ بِنَصِّ التَّوْراةِ مُحَرَّمًا فِيها، ولِذَلِكَ كانَ بَنُو إسْرائِيلَ قَبْلَ التَّوْراةِ عَلى شَرِيعَةِ إبْراهِيمَ، فَلَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ ما حُرِّمَ مِنَ الطَّعامِ إلّا طَعامًا حَرَّمَهُ يَعْقُوبُ عَلى نَفْسِهِ. والحُجَّةُ ظاهِرَةٌ ويَدُلُّ لِهَذا الِارْتِباطِ قَوْلُهُ في آخِرِها ﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فاتَّبِعُوا مِلَّةَ إبْراهِيمَ حَنِيفًا) صدق الله العظيم

والشاهد هنا (كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِلاً) ، فما هو التشريع الذي تم فيه تحليل كل الطعام؟ هو التشريع الموجود في صحف إبراهيم، وكيف بعد هذا أن نتبع منهج الظنون والقول بأنه تشريع من قبل نوح؟ نعم قال بهذا أقلة

وقَدِ اسْتَدَلَّ القُرْآنُ عَلَيْهِمْ بِهَذا الحُكْمِ لِأنَّهُ أصْرَحُ ما في التَّوْراةِ دَلالَةً عَلى وُقُوعِ النَّسَخِ فَإنَّ التَّوْراةَ ذَكَرَتْ في سِفْرِ التَّكْوِينِ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ يَعْقُوبَ حَرَّمَ عَلى نَفْسِهِ أكْلَ عِرْقِ النَّسا الَّذِي عَلى الفَخِذِ، وقَدْ قِيلَ: إنَّهُ حَرَّمَ عَلى نَفْسِهِ لُحُومَ الإبِلِ وألْبانَها، فَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ عَلى وجْهِ النُّذُرِ، وقِيلَ: إنَّ الأطِبّاءَ نَهَوْهُ عَنْ أكْلِ ما فِيهِ عِرْقُ النَّسا لِأنَّهُ كانَ مُبْتَلًى بِوَجَعِ نَساهُ، وفي الحَدِيثِ أنَّ يَعْقُوبَ كانَ في البَدْوِ فَلَمْ تَسْتَقِمْ عافِيَتُهُ بِأكْلِ اللَّحْمِ الَّذِي فِيهِ النَّسا

وقَوْلُهُ ﴿مِن قَبْلِ أنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ﴾ تَصْرِيحٌ بِمَحَلِّ الحُجَّةِ مِنَ الرَّدِّ إذِ المَقْصُودُ تَنْبِيهُهم عَلى ما تَناسَوْهُ فَنُزِّلُوا مَنزِلَةَ الجاهِلِ بِكَوْنِ يَعْقُوبَ كانَ قَبْلَ مُوسى، وقالَ العِصامُ: يَتَعَلَّقُ قَوْلُهُ ﴿مِن قَبْلِ أنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ﴾ بِقَوْلِهِ حِلًّا لِئَلّا يَلْزَمَ خُلُوُّهُ عَنِ الفائِدَةِ، وهو غَيْرُ مُجْدٍ لِأنَّهُ لَمّا تَأخَّرَ عَنِ الِاسْتِثْناءِ مِن قَوْلِهِ حِلّا وتَبَيَّنَ مِنَ الِاسْتِثْناءِ أنَّ الكَلامَ عَلى زَمَنِ يَعْقُوبَ، صارَ ذِكْرُ القَيْدِ لَغْوًا لَوْلا تَنْزِيلُهم مَنزِلَةَ الجاهِلِ، وقَصْدُ إعْلانِ التَّسْجِيلِ بِخَطَئِهِمْ والتَّعْرِيضُ بِغَباوَتِهِمْ

وقد قيل كيف يحرم نبي على نفسه الطعام وقد تم الرد سابقاً في هذا بالإفادة بماجاء في تحريم الرسول العسل على نفسه، في سورة التحريم وأسباب نزولها

ونقول: إذا مرض إنسان بالضغط، وأمتنع عن أكل الملح. هل يصح أن نقول أنه حرم على نفسه الملح؟ السؤال: لماذا تم الإفتراض أن النبي لا يحرم على نفسه اذا كان ضمن هذا السياق. لم يذكر الله ولا رسوله اي حكم في هذا فكيف يحكم من حكم؟ شرع الله واضح وأنزل الحلال والحرام والنبي يحرم الخبائث كذلك، واذا كان الملح يؤدي الى إرتفاع الضغط لأحد الأشخاص، وتبين أن فيه تهلكة للشخص، فهل يصح القول انه أصبح خبيث لهذا الشخص؟ الله أعلم

وفي هذه الآية مناسبة لتبيان أن يعقوب حرم أحب الأشياء اليه وتركها لله وهي في شريعتهم ولذلك قال الله قبلها ( لَن تَنَالُوا۟ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا۟ مِمَّا تُحِبُّونَۚ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَیۡءࣲ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِیم) صدق الله العظيم

ويكفي من التدبرات في سورة آل عمران لأن فيها سلسلة مترابطة من الأحداث، ولا يتم فهم المراد من الآيات إلا بعد تمعن السورة كاملة عدة مرات، والجميل في هذا هو أنه في كل مرة تقرأ القرآن الكريم، يظهر لك معنى جديد

رزق الله يعقوب الذرية التي فيها الكثير من الرسل والأنبياء ورزقهم بالحكم، ثم رزق إسماعيل الوحيد بسيد الخلق وجعله للعالمين نذيراً وأظهر رسالته على الدين كله وهو خاتم الأنبياء فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء. وفي هذا بيان بأن تفضيل الله لبني إسرائيل على العالمين كان في فترة زمنية محددة وهي من بداية حكم يوسف عليه السلام إلى عيسى عليه السلام

والإبن يختلف عن السبط، فالسبط هو ولد الولد لذلك عندما يذكر الله بني إسرائيل في الكتاب، يتم إقتران هذا بقصص سيدنا موسى كثيراً ومنها ظهور الأسباط

‏قال الله ( وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا بَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقۡنَـٰهُم مِّنَ ٱلطَّیِّبَـٰتِ وَفَضَّلۡنَـٰهُمۡ عَلَى ٱلۡعَـٰلَمِینَ) صدق الله العظيم

ماهو تفصيل هذه الفترة الزمنية التي أرسل الله فيها الرسل والأنبياء من بني إسرائيل؟ وفي قوله (وَفَضَّلۡنَـٰهُمۡ عَلَى ٱلۡعَـٰلَمِینَ)، تفيد أنه خصهم بالحكم والنبوة عن غيرهم وبالفعل مصادر التشريع في ذلك الوقت لم تكن إلا عن طريق بني إسرائيل

السؤال الأول: كيف نحدد هذه الفترات وكيف تم التأكد من أن سيدنا يوسف سيكون أول نبي في هذه الفترات؟

قال الله في الآية ( وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا بَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ)، فذكر الأبناء ولم يذكر يعقوب ولا إسحاق ولم يذكر الأسباط، ولكن ذكر بني إسرائيل لبيان أن هذا يعني الأبناء وأبناء الأبناء ومن أتى بعدهم إلى زمن سيدنا عيسى عليه السلام

‏والمعنى أنه في ذلك الوقت، لا يأتي نبي أو رسول إلا منهم

‏وذلك الوقت ينقسم الى عدة أقسام

‏فترة إسحاق ويعقوب وهي فترة قصيرة في فلسطين ونقول أن كل الأنبياء يتبعون ملة إبراهيم

قال الله ( كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِلاً لِّبَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ مِن قَبۡلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوۡرَىٰةُۚ قُلۡ فَأۡتُوا۟ بِٱلتَّوۡرَىٰةِ فَٱتۡلُوهَاۤ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ (٩٣) فَمَنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ مِنۢ بَعۡدِ ذَ ٰ⁠لِكَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ (٩٤) قُلۡ صَدَقَ ٱللَّهُۗ فَٱتَّبِعُوا۟ مِلَّةَ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ حَنِیفاً  وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ (٩٥)﴾ [آل عمران ٩٣-٩٥] صدق الله العظيم

‏فترة الفراعنة وهي في مصر يوسف وإخوته وموسى وفي هذه الفترة ارسل الله نبيه يوسف لفرعون والرسول النبي موسى لفرعون كذلك، فهذه الفترة وهي الفترة التي تواجد فيها الفراعنة، هي من الفترات الأساسية التي فضل الله فيها بني إسرائيل وآتاهم فيها الحكم والنبوة، فكيف لبعض أهل الرأي القول بأن يوسف عليه السلام ليس من بني إسرائيل؟ نقصد ماهو البرهان على هذا؟

قال الله في سورة غافر ( وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا زِلْتُمْ فِى شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِۦ ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِنۢ بَعْدِهِۦ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ ) صدق الله العظيم

ففي سورة غافر وصف لطغيان الفراعنة وكيف أرسل الله لهم رسله من بني إسرائيل، وفيها نعلم من السياق أن يوسف وموسى هم من أرسلهم الله للفراعنة

‏ثم مرحلة التبديل ( التيه) وفيها كفر بني إسرائيل وعبدوا العجل وظهر العابرين ( اليهود)، وظهرت التوراة، وكان لهارون دور كبير فيها من بعد سيدنا موسى الرسول النبي الذي كلمه الله وهناك أنبياء ورسل لم نذكرهم كذلك

‏الفترة الرابعة مرحلة قيام الدولة العابرية وهي العصر الذهبي اليهودي وهو عصر سليمان وداوود عليهما السلام

الفترة الخامسة: فترة آل عمران وقتل الأنبياء والرسل وهنا ومن قتل هم يهود بني إسرائيل

‏قال الله( عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَٰفِرِينَ حَصِيرًا ) صدق الله العظيم

‏سورة الإسراء ( بني إسرائيل) تصف بني إسرائيل من بعد التبديل وتحولهم من شعب فضلهم الله على العالمين الى شعب فساد. فسادهم من بعد عيسى عندما توقف الوحي عنهم، وفي هذا تفسير لسبب أن المسيحية تبشيرية وتختلف عن اليهودية

‏قال الله ( مِنۡ أَجۡلِ ذَ ٰ⁠لِكَ كَتَبۡنَا عَلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفۡسَۢا بِغَیۡرِ نَفۡسٍ أَوۡ فَسَاد فِی ٱلۡأَرۡضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِیعاً وَمَنۡ أَحۡیَاهَا فَكَأَنَّمَاۤ أَحۡیَا ٱلنَّاسَ جَمِیعاً وَلَقَدۡ جَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُنَا بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِیراً مِّنۡهُم بَعۡدَ ذَ ٰ⁠لِكَ فِی ٱلۡأَرۡضِ لَمُسۡرِفُونَ) صدق الله العظيم

وهنا نذكر علاقة الشرائع ببعضها، فالإسلام ناسخ لكل الشرائع من قبله، وتتحدث هذه الآية عن أول جريمة قتل ولا تذكر أن بني إسرائيل يأتون بعد آدم أو إدريس، هل ذكر الله هذا؟ لا هل تفيد الآية بهذا؟ لا. هل هو منهج أهل الرأي؟ نعم

‏القتل قبل الشرائع: لم يكن لجريمة القتل جزاء محدود ولا تشريع مرسوم. وتتحدث الآية عن أول تشريع جنائي لهذه الجريمة. كما روي عن النبي ما يلي

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا “. وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ : مِنْ دَمِهَا ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ أَوَّلًا. رواه البخاري

القتل في التوراة: فرقت التوراة بين الأحوال المختلفة لجريمة القتل وبين العمد منها وغير العمد، ورسمت لكل نوع عقوبة خاصة تتناسب مع درجتها في الإجرام. ومن نصوصها: (من ضرب إنساناً فمات فليقتل قتلاً؛ فإن لم يتعمد قتله بل أوقعه الله في يده فسأجعل له موضعاً يهرب منه. وإذا بغى رجل على آخر فقتله اغتيالاً؛ فمن قدام مذبحه يأخذه ليقتل. ومن ضرب أباه أو أمه يقتل قتلاً. وإذا تخاصم رجلان فضرب أحدهما الآخر بحجر أو تكلم ولم يقتل بل سقط في الفراش؛ فإن قام وتمشى خارجاً على عكازه يكون الضارب بريئاً إلى أن يعوضه عطلته، وينفق على شفائه. وإن حصلت أذية تعطى نفساً بنفس وعيناً بعين وسناً بسن ويداً بيد ورجلاً برجل وكياً بكي وجرحاً بجرح ورضاً برض). ومن هذه النصوص يظهر للباحث أن شريعة اليهود تنص على القصاص في كل الحالات دون ذكر العفو عن أية حالة منها

فلا مجال للخوض في إخراج بني إسرائيل من ذرية إبراهيم إلا من يستطيع تغيير معاني الآيات المذكورة هنا بغير حق، وإن كان حق، نقول هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s