عِبر من سورة طه

العجل

قال الله ( فَأَخۡرَجَ لَهُمۡ عِجۡلا جَسَدا لَّهُۥ خُوَار فَقَالُوا۟ هَـٰذَاۤ إِلَـٰهُكُمۡ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِیَ) صدق الله العظيم

لماذا أخرج لهم عجل؟ ولماذا عجل ولم يكن بقرة؟ العجل هو أبن البقرة كما هو متعارف عليه وقد عبده أولياء الشيطان على مر الأزمنه. تم تقديسه من قبل الفراعنة وقد شهد هذا بني اسرائيل مما جعلهم يعيدون اخطاء الفراعنة وكانت فتنة لهم من بعد ماتبين لهم الحق. لايوجد لدينا ادلة قطعية على صحة العلاقة بين يهود بني اسرائيل والفراعنة في تقديس العجل ولكنها تبرر سنة الإتباع لمن لم يحكم بأمر الله واضرارها

فنرى ان بني اسرائيل المستضعفين الذي يقلدون من هم اعلى منهم مرتبة في المال وما نحو هذا، ونقصد بهذا الفراعنة، عاش بني اسرائيل كالخدم للفراعنة ويتمنون الإنتقال الى الرفاهية وبهذا تم التطبع بالثقافة الفرعونية فتعلموا السحر وتقديس الشمس والعجل والأفعى وهي الرموز التي يحبها ابليس ويتخذها حيلة في اقناع الناس بتغير خلق الله والشرك، أو الكفر المطلق. وهذا ما عليه أولياء الشيطان الى هذا اليوم

ومن بعد الإستضعاف، نصر الله بني إسرائيل على فرعون بعد طغيانه عليهم وأنقلبت الآية ولكن لم يدركوا خطورة النسيان والإستعجال وخاصة انهم على علم بسنن الفراعنة وعاداتهم وتقاليدهم، فتم نسيان ماقاله موسى لهم وتعجلوا وحتى لم يأخذوا بنصائح هارون لهم فلم يتبينوا ونسي كل منهم الذكر الذي أنزل عليهم وأتبعوا السامري

هناك بعض التأملات في سورة طه بخصوص النسيان والإستعجال، وهذا ما نأمل الإشارة اليه من هذا التدبر

لاحظ ماهو رد سيدنا موسى على فرعون عندما سأله عن القرون الأولى، بإختصار كان جوابه يفيد وكأنه قال له أن العلم عند الله. وفي هذا إختبار لفرعون ليصدق موسى أم لا، لأن سيدنا موسى قال له انه مرسول من الله الذي أوحى له. وهنا أفاده ان الله كان يسمع ويرى وقد يكون قد أوحى لموسى أن يقول أن العلم عند الله أم أن سيدنا موسى وجد أن هذه هي الإجابة المناسبة

وكان رد فرعون التكذيب لهذه المحادثة وحتى بعد أن أراه آيات الله، كان التكذيب والتكبر هو ما أصر عليه (وَلَقَدْ أَرَيْنَٰهُ ءَايَٰتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ ) صدق الله العظيم

وبعد هذا تحكي السورة قصة سيدنا موسى وقصة السامري وطغيان بني إسرائيل. ولكن سؤال فرعون عن القرون الأولى وجواب موسى له في قوله تعالى ( قَالَ فَمَا بَالُ ٱلۡقُرُونِ ٱلۡأُولَىٰ (٥١) قَالَ عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّی فِی كِتَـٰب لَّا یَضِلُّ رَبِّی وَلَا یَنسَى)، ففي الآيتين سؤال وجواب غير مكتمل وقد أفاد موسى أن الله لاينسى وأن الجواب عند الله

وفي السورة أجاب الله على سؤال فرعون على ما قاله سيدنا موسى
فالله لا ينسى ولكن من الذي نسى في السورة؟ ومن يُضل؟ قال الله في قصة السامري ( فَأَخۡرَجَ لَهُمۡ عِجۡلاً جَسَداً لَّهُۥ خُوَار فَقَالُوا۟ هَـٰذَاۤ إِلَـٰهُكُمۡ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِیَ) صدق الله العظيم

قال الله ( وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُۥ عَزْمًا)، فالإنسان من النسيان وهذا سيدنا آدم ينسى ماقاله الله له. فنعلم أن معصيته ليست من الطغيان بل هي من النسيان فاحذر يا أيها الإنسان من النسيان ولتعلم ان الله هو الرحمان الذي يرحم العباد فأشكر وتب الى الله كل يوم وأسئله ان يزيدك في العلم وأن لفي هذه السورة المباركة، الطريق لأعلى درجات العلم فقل رب زدني علما

اما بالنسبة للاستعجال فهو واقع لكل انسان ( وَیَدۡعُ ٱلۡإِنسَـٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَاۤءَهُۥ بِٱلۡخَیۡرِۖ وَكَانَ ٱلۡإِنسَـٰنُ عَجُولا)، ولكن يتوجب التأني وعدم الاستعجال قدر المستطاع في جميع الأمور

وفي السورة لدينا دروس عظيمة تخص العجلة وذلك قوله تعالى ( ۞ وَمَاۤ أَعۡجَلَكَ عَن قَوۡمِكَ یَـٰمُوسَىٰ ۝٨٣ قَالَ هُمۡ أُو۟لَاۤءِ عَلَىٰۤ أَثَرِی وَعَجِلۡتُ إِلَیۡكَ رَبِّ لِتَرۡضَىٰ ۝٨٤ قَالَ فَإِنَّا قَدۡ فَتَنَّا قَوۡمَكَ مِنۢ بَعۡدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِیُّ ۝٨٥ فَرَجَعَ مُوسَىٰۤ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَـٰنَ أَسِفاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ أَلَمۡ یَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن یَحِلَّ عَلَیۡكُمۡ غَضَبࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِی ۝٨٦ قَالُوا۟ مَاۤ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا وَلَـٰكِنَّا حُمِّلۡنَاۤ أَوۡزَارا مِّن زِینَةِ ٱلۡقَوۡمِ فَقَذَفۡنَـٰهَا فَكَذَ ٰ⁠لِكَ أَلۡقَى ٱلسَّامِرِیُّ ۝٨٧ فَأَخۡرَجَ لَهُمۡ عِجۡلا جَسَدا لَّهُۥ خُوَار فَقَالُوا۟ هَـٰذَاۤ إِلَـٰهُكُمۡ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِي) صدق الله العظيم

فبعدما تعجل سيدنا موسى وترك قومه شوقاً الى الله باحثاً عن رضاه كان الرد من الله هو سؤال سيدنا موسى عن سبب استعجاله وتركه لقومه، وفي هذا عبرة وهي معرفة انه في العجلة عواقب مستمرة وان كانت لسبب جيد، ولنعلم انه لم يكن هذا في حسبان سيدنا موسى فقد استخلف هارون واعتقد ان قومه لن يخذلوه بهذه السرعة فهم كذلك على استعجال من امرهم وهذا مما يجعل العبرة تكمن في ان الأعمال بالنيات فمن استعجل لرضى الله يختلف عن من استعجل لمعصيته، ولكن في العجلة الندامة دائماً، والدليل هو غضب سيدنا موسى وتأسفه بعدما اخبره الله بضلالة قومة ومعصيتهم لما جاء به موسى لهم

وفي سورة الأعراف يتين لنا اكثر حقيقة استعجال قوم موسى باتخاذهم العجل وغضب موسى على هذا الفعل

قال الله(وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰۤ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَـٰنَ أَسِفا قَالَ بِئۡسَمَا خَلَفۡتُمُونِی مِنۢ بَعۡدِیۤۖ أَعَجِلۡتُمۡ أَمۡرَ رَبِّكُمۡۖ وَأَلۡقَى ٱلۡأَلۡوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأۡسِ أَخِیهِ یَجُرُّهُۥۤ إِلَیۡهِۚ قَالَ ٱبۡنَ أُمَّ إِنَّ ٱلۡقَوۡمَ ٱسۡتَضۡعَفُونِی وَكَادُوا۟ یَقۡتُلُونَنِی فَلَا تُشۡمِتۡ بِیَ ٱلۡأَعۡدَاۤءَ وَلَا تَجۡعَلۡنِی مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ) صدق الله العظيم

فالسؤال لماذا عجل؟ لأنه رمز للإستعجال فقد سماه العرب عجل أي من العجلة فهو يسرع لهم نقل البضائع، فيتم ربطه بعجلة ليدور حولها وتستخدم هذه الآلية في المزارع وغيرها أو يسير في طريق مستقيم وذلك لنقل البضائع الثقيلة في اقصر وقت ممكن آن ذاك

وفي المعاجم، سنجد ان للإستعجال والعجل علاقة كبيرة فهم يشاركون في نفس الجذر ولهم نفس المعنى

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s